الحدث أول من أمس لم يكن في الشارع فقط، بل كان تلفزيونياً بامتياز... الكاميرات المتنقّلة بين المتظاهرين، والملاحقة الدائمة لتحرّكات الجيش، والمواكبة المباشرة في الاستديو، عمدت ــــ من حيث تدري أو لا تدري ــــ إلى تأجيج الأزمة. ما يفتح نقاشاً واسعاً عن دور وسائل الإعلام في تغطية تظاهرات مماثلة وإذا كان عليها حجب الحقائق التي تؤجّج العصبية الطائفية، أم نقل الأحداث كما هي من دون روتوش. على رغم أنّ «المنار» تتحمّل بحسب بعضهم مسؤولية تجييش الرأي العام، فقد يعود غيابها أول من أمس عن نقل الأحداث إلى أنّها قصدت عمداً حجب ما يحدث، نظراً إلى حساسية الموقف. وإن كان ذلك لا يبرّر غيابها التام عن تغطية الأحداث ومتابعة بث برامجها الاعتيادية. لكنّ هذا الأمر لم تتنبه إليه «المستقبل» التي ــــ إضافة إلى تغطيتها التي ركّزت على التحريض ــــ شنّت في نشرتها المسائية أول من أمس هجوماً على قناة «المنار» لكونها غابت عن الميدان! تحيُّز المحطة دفع بالنائب علي حسن خليل إلى الانسحاب من هواء «أخبار المستقبل» مساءً بعد سلسلة من الأسئلة التي وجهت إليه، وركّزت على انخراط الحركة في التظاهرة.
أما مع «الجديد» التي كانت سبّاقة في نقل الأحداث، فكان الخطأ فادحاً عبر فتح الهواء طيلة الوقت لتحرّكات الشارع. هذا الهواء المفتوح، دفع بالمحطة إلى بثّ تصريحات لأحد المتظاهرين تتّسم بالتحريض الطائفي. كما أنّ رياض قبيسي بدا متوتراً ومنفعلاً أثناء بث رسالته خلال عرض برنامج «الأسبوع في ساعة». لم يتمالك نفسه، فانتقد تصرف الجيش الذي داهم فجأةً المتظاهرين، ما دفع بجورج صليبي إلى محاولة التخفيف من حدّة الأمر، قبل أن ينتقل إلى الاستديو.
وفي اتصال مع «أل بي سي»، شنّ النائب أيوب حميّد هجوماً على المحطة التي سارعت إلى تضخيم عدد القتلى، كما انتقد دور وسائل الإعلام في تأجيج الفتنة. وهذه القناة التي ركّزت فقط على جرحى القنبلة التي ألقيت في حيّ المطاحن في عين الرمّانة، حاولت جاهدة إسكات مراسلها سلطان سليمان، عندما كان يشير إلى أنّ مصدر القنص هو عين الرمانة. وكان لافتاً غياب سليمان بعد ذلك عن الشاشة. فيما تمترست المراسلتان تانيا مهنّا ومنى صليبا داخل عين الرمانة لتغطيا ما يجري في محيط كنيسة مار مخايل، وفي طريق المطار، وفي شارع مار الياس. هذا غيضٌ من فيض ممّا حدث أول من أمس على الشاشات المحلية: مصدر الرصاص المجهول، وترداد عبارة «أعمال الشغب»، وتضخيم عدد الشهداء والجرحى... كلّ ذلك أكّد غياب الوعي في توجيه الخطاب الإعلامي، وخصوصاً أنّ العمل على إذكاء الفتنة بين اللبنانيين لم يعد مجرّد محاولات.