منار ديب
حمّى «باب الحارة» انتقلت إلى مسلسلات تصوّر حالياً في دمشق: «أيام ساروجة» يرصد حَوَاري القرن التاسع عشر، و«الحوت» يتناول مشكلات الصيادين في العشرينيات. أمّا «ليس سراباً» فيناقش التعايش الإسلامي المسيحي اليوم... هل تنقذ هذه الأعمال الدراما السورية من أزمتها التسويقية؟

دارت كاميرات التصوير في دمشق، معلنةً بدء موسم جديد للدراما السورية: موضوعات ستتكرّر لكن عبر رؤى جديدة وأدوار ستجسّدها وجوه مختلفة. مخرجون وممثلون عادوا من تجربتهم المصرية، وكتّاب ومخرجون شباب يدخلون في تجارب أكثر نضجاً، فيما شركات إنتاج تنقل اهتماماتها التراثية من منطقة إلى أخرى، وتبحث عن أي منفذ يخرجها من الأزمة التسويقية التي حاصرتها العام الماضي.
المتابع لخريطة الأعمال التي بُدئ تصويرها، يلحظ ثبات النوع الاجتماعي الواقعي المعاصر، واتساع نفوذ الأعمال البيئية، الدمشقية تحديداً. أما في الأعمال التاريخية، فلا تزال إشارة الانطلاق لمسلسل «سقوط غرناطة» متوقفة، نظراً إلى انشغال مخرجه حاتم علي بالمسلسل البدوي «صراع على الرمال» ومشروع فيلم «محمد علي» في مصر. «سقوط غرناطة» يمثّل الجزء الرابع من سلسلته الأندلسية، بعدما تعمّق في التاريخ الأندلسي، بدءاً بمرحلة التأسيس في «صقر قريش»، ثم العصر الذهبي وبداية التحوّل في «ربيع قرطبة»، وصولاً إلى مرحلة نشوب الخلافات وظهور الانقسامات في «ملوك الطوائف»، وانفراط عقد الدولة الأندلسيّة إلى دويلات متناحرة.
هناك عمل بيئيّ يسير على خطى «باب الحارة» ويفترق عنها، فالمخرج علاء الدين كوكش يتابع تصوير مسلسل «أيام ساروجة» الذي يستمدّ اسمه من الحي الدمشقي الشهير الواقع خارج سور المدينة القديمة. وهذا العمل الذي تنتجه «سوريا الدولية»، سبق أن مرّ على أكثر من مخرج: هيثم حقي، ثم باسل الخطيب (تحت اسم «أهل الراية»)، إلى أن استقر بين يدي مخرج دمشقي رائد ومحنّك هو علاء الدين كوكش. ومثل أغلبية الأعمال البيئية، تصوّر معظم مشاهد العمل الخارجية في ديكورات صناعية، تتيح تقديم مشهد لم يعد موجوداً. وهذه الديكورات تقام في القرية الشامية على طريق مطار دمشق الدولي. أما المشاهد الداخلية، فيجري تصويرها في عدد من البيوت الدمشقية القديمة. ويظهر ما أُنجز من «أيام ساروجة» الذي تدور أحداثه في أواخر القرن التاسع عشر، عناية خاصة بالتوثيق وجمالية بصرية لافتة. وهو يضيء على الأحداث التي مرت بالحارة في فترة زعامة أبو الحسن لها، وحكاية ابنته قطر الندى وغريمتها دلال خانم، زوجة أبو الحسن الجديدة. وهناك قصة رضا الحرّ، ذاك الشاب اليتيم المظلوم الذي ينفض الغبار عن ظلمه ليثور منتقماً لشرفه وعزّته.
«أيام ساروجة»، تأليف أحمد حامد الذي كتب عدداً من المسلسلات الشامية، وهو يشهد أول بطولة لجمال سليمان في هذا النوع من الأعمال، ويشاركه في البطولة: كاريس بشار، ورفيق سبيعي، ومنى واصف، وقصي خولي، ناجي جبر، وخالد تاجا، وسليم كلاس، وحسن عويتي، وسمر سامي، وأيمن رضا، وسامية الجزائري، وتاج حيدر. يذكر أن هناك عدداً آخر من الأعمال الجديدة التي تتناول البيئة الدمشقية مثل الجزء الثالث من «باب الحارة»، و«أولاد القيمرية»، والجزء الثاني من «الحصرم الشامي». وبينما يخرج عباس النوري «أولاد القيمرية»، مستعيداً محطات من تاريخ الحارة التي نشأ فيها، ويحمل اسمها العمل الدرامي، يتناول الكاتب فؤاد حميرة في الجزء الثاني من «الحصرم الشامي»، الحكم المصري في بلاد الشام (1831ــ1840).
في المقابل، تتجه شركة «عاج»، منتجة الجزءين الأوّلين من «باب الحارة» ومسلسل «كوم الحجر» الذي قدّم البيئة الحلبية، إلى تصوير مسلسل «الحوت» للمخرج رضوان شاهين والكاتب كمال مرة الذي يتناول البيئة البحرية في الساحل السوري. والمسلسل يعرض لهموم ومشكلات عالم الصيادين في العشرينيّات من القرن الماضي، وحكاياتهم الغرائبية الساحرة، على خلفية تاريخية لنضال الشعب السوري ضد الاحتلال الفرنسي، ومناهضته لرموز التسلط والقهر الاجتماعي الموروثة من عهد الدولة العثمانية. «الحوت» الذي يبدأ تصويره بعد أيام في دمشق والساحل، من بطولة: بسام كوسا، وسلوم حداد، وصبا مبارك، وأندريه سكاف.
المخرج الشاب مثنى صبح يدخل تجربته الإخراجية الثالثة في «ليس سراباً» مع الكاتب فادي قوشقجي الذي قدم أعمالاً اجتماعية مميزة مثل «على طول الأيام» مع حاتم علي، و«فجر آخر» مع فراس دهني. «ليس سراباً» هو بانوراما اجتماعية للموازييك السوري، تعرض لطبيعة الحياة الاجتماعية السورية ومكوّناتها من مسلمين ومسيحيين، أسر مسلمة ومسيحية تقدم هويتها الدينية بشكل صريح. السمة الأساسية للمسلسل هي الحب والجدل المثار حوله، إذ سنجد العديد من العلاقات المختلطة. أمّا الفكرة المركزية في العمل، فهي الانسجام بين الفكر والممارسة لدى المثقف، وكيف يضغط العرف الاجتماعي على السلوك. ويميز العمل تقاطعه مع مشكلات مطروحة في الواقع، ومعالجته لقضايا راهنة ومثيرة للنقاش.
«ليس سراباً» من إنتاج سوريا الدولية، وبطولة: كاريس بشار، وباسل خياط، وضحى الدبس، وسلافة معمار، ونادين تحسين بك.
وكان المخرج سيف الدين سبيعي قد انتهى من تصوير مسلسل «مطر الربيع» للكاتبة أمل حنا، من إنتاج شبكة «أوربت» التلفزيونية والإعلامية، «مطر الربيع» عمل رومانسي من عشر حلقات، تدور أحداثه في الخمسينيات بين دمشق والجزيرة (الرقّة). العمل يمثّل الجزء الأول من ثلاثية «أناشيد المطر»، وهي: «مطر الربيع»، «رائحة المطر» تأليف غسان زكريا وإخراج إيناس حقي، «وعود تشبه المطر»، تأليف رافي وهبة وإخراج الليث حجو. أمّا «مطر الربيع»، فهو من بطولة غسان مسعود، ورامي حنا، وكندة حنا، ومحمد خير الجراح، وفاتن شاهين. ومن الأعمال الاجتماعية التي يتم تصويرها «يوم ممطر آخر» الذي يتناول حياة الطبقة الوسطى السورية. والعمل للمخرجة رشا شربتجي والكاتبة يم مشهدي. وبطولة سلاف فواخرجي، وقصي خولي وعبد الهادي الصباغ.