بيار أبي صعب
كُتب عنها الكثير كممثّلة، منذ تجربتها التأسيسيّة في السبعينات مع «المسرح الجديد»، حتّى شراكتها الطويلة النفس مع الفاضل الجعايبي. كُتب أيضاً عن المثقفة العلمانيّة التي تضامنت قبل سنتين ونيّف مع الإسلاميين المضربين عن الطعام في تونس... لكن جليلة بكّار كاتبة أيضاً. في الحقيقة صارت كاتبة مع السنوات، نتيجة ممارسة ميدانيّة طويلة في القاعات المظلمة. لقد جاءت الكتابة من جهة المسرح.
كتابها الجديد الذي صدر قبل أسابيع عن «دار الجنوب» في تونس، هو نصّ «خمسون» التي أثارت نقاشاً واسعاً في تونس وخارجها. «خمسون»، آخر أعمال الفاضل الجعايبي، تمثّل مرحلة النضج في مسيرة بكّار المؤلّفة، بعد تجارب عدّة لها، من «البحث عن عابدة» إلى «جنون» التي تحوّلت فيلماً يعرض حالياً على الشاشة التونسيّة.
ولعلّ نظرة متفحّصة إلى طريقة العمل لدى الجعايبي تعطي فكرة واضحة عن غنى النصّ وخصوصيّته. فهذا الأخير، عروضه في الغالب ثمرة أشهر طويلة من البحث والنقاش والارتجال، يُترَك خلالها للمثّل أن يشارك في صوغ ملامح العرض، واقتراح المواقف والحالات والمشاهد... دائماً تحت مراقبة المخرج الصارمة، بل بتحريض منه قد يصل إلى حدود العلاقة السادو ـــــ مازوشيّة مع الممثّلين.
هكذا يأتي العمل النهائي خلاصة مساهمات عفويّة أو مركّبة. ينضج ببطء ويتحوّل كثيراً. وجليلة كانت، منذ البداية، طرفاً أساسياً في تلك المعادلة، إلى أن أمسكت وحدها بدفّة الكتابة. من غربلة الاقتراحات والمحاولات، تصفيتها وإعادة صياغتها، إلى وضع مقترحها هي في تصرّف الممثلين، كي يخضع مجدداً لامتحان الخشبة. هكذا يتشكّل النص بعد أشهر العمل، تستعيده من الممثل ـــــ المؤلف، وحتّى من المخرج ـــــ المؤلّف، لتصبّه في قالب درامي نهائي يخصّها وحدها. لقد بات نصّها، يحمل نفَسَها، مفرداتها، تقطيعها، وبصماتها الشعريّة...