أصيب والدا ميشا (10أعوام ) وبافل (12 عاماً) بالذعر والخزي، بعد أن اصطحب رجلين من الشرطة ولديهما إلى المنزل قائلين، وعلامات الامتعاض بارزة على وجهيهما، «إنّ الولدين كانا منهمكان في... ممارسة الشعائر الدينية».والولدان ابنان لأسرة متماسكة من الطبقة المتوسطة تقيم في منسك عاصمة روسيا البيضاء (بيللاروسيا). وأوضحت الشرطة أن الولدين، اللذين فضّلت أسرتهما عدم نشر اسميهما في وسائل الإعلام، كانا «يحتفلان بأعياد الميلاد علناً ويقومان بإنشاد ترانيم دينية أمام أبواب مبان سكنية». وهذا السلوك الذي يعدّ طبيعياً في معظم الأماكن حول العالم، يُعَد مشيناً وخارجاً عن المألوف في روسيا البيضاء، حيث تقوم الدولة بقمع معظم الأنشطة الدينية المنظمة. وإذا اجتذبت هذه الأنشطة شعبية أو درّت المال، فحينئذ تقوم الشرطة السرية، التي لا تزال تُعرف باسم «كي جي بي»، باستهداف النشاط. وأغلق معظم السكان الأبواب في وجه الطفلين عندما كانا يقومان بأداء الترانيم الدينية أمام الأبواب، غير أن بعض السكان في وسط مدينة منسك قدّموا الطعام والحلوى وحتى النقود للولدين المغامرين اللذين قاما بإنفاقها على الفودكا والسجائر، قبل أن يقوم رجال الأمن بالقبض عليهما. وقالت والدة ميشا: «نحن تعرضنا لصدمة كبيرة لدى معرفتنا بأن ولدينا متدينين». وتشير الإحصاءات في دولة تدين غالبيتها العظمى بالمسيحية الأرثوذكسية إلى أن معظم أبناء روسيا البيضاء اعتنقوا في الماضي تراث العهد السوفياتي بعدم الإيمان على الإطلاق، والتعامل مع الدين كشيء ينبغي تجنّبه إذا كان الشخص يريد أن يتحاشى المتاعب مع السلطات.وخلال عام 2007، أطلق حاكم ورئيس روسيا البيضاء، ألكسندر لوكاشينكو، يد رجال الشرطة السرية ضد الكنائس وحتى ضد عشرات المسيحيين البروتستانت، مبرراً ذلك بتهديدات مزعومة للأمن القومي. وتعترف والدة ميشا بأن الدين في هذه الأيام يُعَد إحدى الوسائل القليلة للحصول على قدر من الدخل الشخصي في روسيا البيضاء التي تعاني عجزاً في النقد.
وتقول تاتينا أولوفا، وهي أستاذة مساعدة في جامعة «بلجور» في منسك، إنها نشأت في مدرسة الفيلسوف كارل ماركس وتعلّمت دائماً «أن الدين أفيون الشعوب»، ومع ذلك، فإنه من الواضح أن المواطنين يريدون العودة إلى الدين. ويبدو أن موضة التدين في روسيا البيضاء قد أصابت لوكاشينكو ذاته. فعلى الرغم من أنه كان ملحداً صريحاً، إلا أنه اجتمع في عطلات نهاية العام علناً مع رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا البيضاء، كما أعرب في خطابه الذي ألقاه في نهاية العام عن تمنياته لمواطنيه «بمعاونة الرب لهم». ويشير المحلل السياسي أناتولي لبيدكو إلى أنه على الرغم من أن الكنيسة منفصلة عن الدولة من الناحية النظرية، إلا أنه لا توجد مناسبة مهمة ينظّمها قادة روسيا البيضاء إلا ويُدعى عضو من النخبة الدينية فيها. ويضيف قائلاً: «أصبح لدينا العديد من العطلات للحصاد والعهد السوفياتي والمطر والحفلات الموسيقية لتمجيد لوكاشينكو، كذلك عدد من الاحتفالات لإحياء ذكرى المواطنين الذين قتلوا في حروب تاريخية، ودائماً ما نجد القساوسة هناك، وهو أمر لم يكن يمكن تخيّله من قبل».
(د ب أ)