strong> محمد خير
•عاطف وهنداوي وبيومي ولمعي: السينما المصريّة تجدّد شبابها

ثلاثة مواعيد في أقل من أسبوعين. دبي ومراكش هل تسحبان السجادة (الحمراء) من القاهرة، صاحبة أقدم المهرجانات السينمائيّة في المنطقة؟ رغم المنافسة الإقليميّة، والأزمات الداخليّة على مستوى الرؤيا والإدارة، تبقى مصر محطّة أساسيّة لتتويج عام من حياة الشاشة العربيّة، وجسّ نبض المرحلة وتحدياتها

إذا كان ثمة قاسم مشترك بين الأفلام المصرية المشاركة في الدورة الـ31 من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» التي تستمرّ حتى السابع من الشهر الحالي، فهو أنّ معظمها مشاريع مؤجلة تخبطت طويلاً في صحراء الإنتاج. إلّا أنّها مشاريع جادّة أتاحت للسينما المصرية أن تحضر في المناسبة الدولية التي تنظّمها بأربعة أفلام... وهو أكبر رقم عرفه المهرجان منذ فترة طويلة.
يقدّم المهرجان هذا العام أفلاماً عالميّة مختلفة، بينها «العدوّ الحميم» (فلوران إميليو فيري ــــ فرنسا)، «بلا رحمة» (إلمير راغارلي ــــ المجر)، «متى رأيت والدك للمرّة الأخيرة؟» (أنانت تاكر ــــ بريطانيا)... وتأتي المشاركة المصرية اللافتة هذه المرّة، في ظل أزمة مستعصية وصلت حدّ تغييب الإنتاج الوطني تماماً عن «مهرجان الإسكندرية السينمائي» الأخير، بحجة عدم جودة أفلام تليق بالتظاهرة المذكورة! أزمة إنتاج أم فوضى وسوء إدارة إذاً؟ أم مشكلة توقيت، سبّبت غياب السينما العالمية بتجاربها الراهنة والمهمّة؟
مهرجان القاهرة يبدأ بعد انتهاء موسم السينما في دول العالم، ويختتم فعّالياته قبل بدء تصوير أفلام العام الجديد. حتى إنّ الكثير من الأفلام المصرية الجيدة تعجز عن المشاركة في المسابقة الرسمية. فيما يرفض مخرجون كبار المشاركة في المهرجان، مثل يسري نصر الله الذي امتنع عن المشاركة بفيلمه الجديد «جنينة الأسماك». أمّا أسباب الامتناع، فتتلخّص في تفضيله المشاركة في مهرجانات عالميّة بارزة تشترط أفلاماً «طازجة»، لم تشارك في أي مهرجان ولم تحصل على جوائز، وطبعاً لم تعرض تجارياً.
هناك سبب آخر لاستنكاف بعض السينمائيين عن تقديم أفلامهم في مهرجان القاهرة، هو تخوّف المنتجين من التركيز النقدي على أفلامهم قبل عرضها تجارياً بفترة غير قصيرة. فالأفلام الممثّلة لمصر تتعرض عادةً لهجوم نقدي يسبّب خسارة فادحة في شباك التذاكر بعد ذلك. وإذا كان يسري نصر الله قد فضّل أن يطلق فيلمه الجديد ضمن فعّاليات «مهرجان برلين» في شباط (فبراير) المقبل، فإنّ مؤلف «جنينة الأسماك» ناصر عبد الرحمن، يشارك في مهرجان القاهرة بشريط آخر «الغابة» للمخرج أحمد عاطف.
وناصر يعيش هذا الأيام موسمه الذهبي، فقد بدأ في القاهرة عرض فيلم ثالث من تأليفه، هو فيلم يوسف شاهين وخالد يوسف «هي فوضى» (الشريط الذي فضّل منتجه مهرجان «البندقيّة/ فينيسيا» على الإسكندرية). أمّا رابع الأفلام التي تحمل قصّته توقيع ناصر عبد الرحمن، فهو «حين ميسرة» لخالد يوسف الذي يبدأ عرضه مع موسم عيد الأضحى.
ويعدّ فيلم أحمد عاطف «الغابة»، أقدم مشروع بين أعمال رفاقه وزملائه. فكرته نشأت في ذهن مخرجه قبل 14 عاماً، عندما كان أحمد عاطف طالباً في معهد السينما، وصوّر فيلماً لمشروع تخرّجه بعنوان «سبارِس». والسبارِس هي أعقاب السجائر المحترقة التي يجمعها عادة أطفال الشوارع لتدخينها. يومها تلقّى عاطف صدمته الأولى مع الرقابة، إذ مُنع الفيلم من العرض لأنّ طرحه أغضب «جهات» رفيعة المستوى في البلاد. هكذا، تنازل المخرج الشاب عن حلمه موقتاً، ليصنع فيلم «عمر 2000»، وبعده فيلماً أكثر تجارية هو «إزاي البنات تحبك». قبل أن يعود إلى حلمه القديم فيشارك ناصر عبد الرحمن كتابة فيلم «شياطين القاهرة» الذي تحوّل اسمه إلى «الغابة» يتشارك بطولته أحمد عزمي وريهام عبد الغفور وحنان مطاوع... إضافة إلى عدد من أطفال الشوارع الحقيقيين الذين استقدمهم المخرج من إصلاحيات الأحداث. واسترجع معهم حياة الرعب والقهر والهامش، من فقر ومخدارت واعتداءات في حضيض المدينة الأشبه بأدغال «الغابة».
أمّا «ألوان السما السبعة» الذي افتتح المهرجان، فتختلف تجربته كلياً. الفيلم الذي يتوقع بعضهم أن تفوز ليلى علوي عن دورها فيه، بإحدى جوائز المهرجان، بدأت بكتابته زينب عزيز قبل خمس سنوات، وواجه مخرجه سعد هنداوي عثرات إنتاجية لم تتوقّف بعدما تحمّست شركة «شعاع» للمشروع. انتهى التصوير والمونتاج عشيّة افتتاح «مهرجان القاهرة»، وإذا بالشريط ينال رضى النقّاد والصحافيين.
يقدّم هنداوي، صاحب «حالة حب 2004»، حالة أخرى صوفية هذه المرة: علاقة بين حنان (ليلى علوي) وبكر (فاروق الفيشاوي) تأخذهما إلى تجربة تطهّر، هي امرأة لها ماض «غير مشرف» من وجهة نظر المجتمع الأخلاقية، وهو طلّق زوجته بسبب شكوك ساورته في شأن خيانتها له. مع ذلك، أحبَّ حنان حتى بعدما عرف ماضيها «الشائن»، إذ أخذته إلى عالم صدق لم يختبره، في حياته السابقة... وأخذها هو في رحلة تصاعديّة تسمو عن الجسد. بكر راقص تنورة في الاحتفالات الصوفية، أراد لحنان أن تلمس بنفسها أبعاد بيت كلمات جلال الدين الرومي التي يفتتح بها الفيلم: «سما الجسد الترابي من العشق حتى الأفلاك، حتى الجبل بدأ بالرقص».
ومن الأحداث التي تستحقّ التحيّة في المهرجان، دخول الزميلة علا الشافعي تجربتها الأولى في مجال كتابة السيناريو. إذ يحمل فيلم عمرو بيومي «بلد البنات» توقيعها كسيناريست. وهذا المخرج الشاب سبق أن حقق فيلمين لم تكتمل رحلتهما إلى الجمهور: «الجسر» و«ألعاب ممنوعة» الذي لم يكتمل لأسباب إنتاجية. ومنذ عامين، وقع اختيار المنتج هاني جرجس فوزي، على سيناريو «ورقة توت» الذي تحول إلى «بلد البنات»، في إشارة إلى أغنية الفيلم «في بلدي البنات» (كلمات الشاعرة كوثر مصطفى، ألحان عمرو مصطفى، غناء محمد منير). وتتقاسم بطولة الفيلم أربعة وجوه جديدة: ريم حجاب، وفريدة وسمية الجويني، وفرح يوسف. فتيات أتين للإقامة والعمل في القاهرة، يقررن الاستقلال في شقة مفروشة، حيث يقتحمن حياة تغيّر الكثير من براءتهن الأولى.
وهذا المناخ يتقاطع مع شخصيات «على الهوا»، الفيلم الرابع لإيهاب لمعي. صاحب «علاقات خاصة» يتناول هنا قصة شابين (أحمد داغر، مؤمن نور) وفتاتين (مي القاضي، والممثلة السورية ريم عز الدين)، يلتقون في أحد برامج تلفزيون الواقع، Real TV ويعيشون أياماً على الهواء مباشرة... وإذا بهم أشخاص آخرون حينما يخرجون من هذه التجربة، وقد اكتشفوا أنها ليست من السهولة في شيء!
على رغم الطفرة الإنتاجية التي تشهدها السينما المصرية، وتزاحم النجوم على المواسم والإيرادات، يبدو أنّ مهرجان القاهرة تحوّل موسماً للوجوه الجديدة، كما حدث العام الماضي عندما تمثّلت المشاركة المصرية في «آخر الدنيا» و«استغمّاية» و«قص ولزّق». ونادراً ما يشارك مخرج مصري في أكثر من دورة للمهرجان، إذ يبتعد عنه بمجرد نجاح تجربة فيلمه الأول، على رغم الاهتمام الذي بدأ يحظى به المهرجان بعد سنوات من الإهمال. وهو اهتمام ذو بعد «وطني»، زادت سخونته عندما استشعر السينمائيون المصريون تناسياً متصاعداً من مهرجانات عربية أخرى، تتقاطع مواعيدها مع مهرجان القاهرة، ولا تخفي أنّها تضع نصب أعينها خطف صفة «الدولية» من المهرجان العربي الوحيد الذي كان يمتلك هذه الصفة بين 11 مهرجاناً عالمياً.
هكذا، شهدت هذه الدورة، للسنة الثانية على التوالي، مشاركةً كثيفة من النجوم المصريين الذين تدافعوا أمام الكاميرات فوق «السجادة الحمراء». لكن، حبّذا لو كانت المهرجانات تقام بتلك «السجادة» وحدها!