خليل صويلح
في برنامجه الجديد «هزّي يا نواعم» على محطة LBC، يعمل سيمون أسمر في منتصف المسافة بين حرية الجسد في التعبير عن مكبوتاته، واكتشاف راقصات شرقيات شابات. وبصرف النظر عن مقاصده التسويقية، فإن البرنامج يحمل فكرة مهمة في إطاحة محظورات اجتماعية، لطالما وقفت في وجه هواية من هذا النوع. إذ ارتبط الرقص الشرقي عموماً، بصورة سوداء ملتقطة من أجواء الملاهي الليلية، عزّزتها السينما المصرية طويلاً، في رسم ملامح ثابتة للراقصة: فهي في نهاية المطاف من تغرّر بالبطل المأزوم، أو بالعمدة الذي يفقد صوابه أمام اللحم العاري، فينثر آلاف الجنيهات فوق رأسها وفي صدرها. هذه الصورة المبتذلة رافقت تاريخ الراقصة الشرقية وغَدت واحدة من خصائصها الأساسية. البرنامج إذاً مغامرة معلنة في إعادة توصيف هذه المهنة، وإعادة اعتبار للجسد المكبّل في توقه للتحليق والطيران. خصوصاً أن معظم المتسابقات يطمحن إلى استعادة أمجاد راقصات من طراز نعيمة عاكف وسامية جمال وتحية كاريوكا وفريدة فهمي. وذلك، على خلفية تدريب احترافي يقوم به خبراء لإزالة اللبس بين «هزّ البطن» والرقص الشرقي بصفته علماً جمالياً خالصاً، كان قد ارتبط في تاريخه البعيد بالشعائر الدينية في المعابد، في حضارةي وادي النيل ووادي الرافدين. الحركات الإيقاعية للجسد في تمثيلاته القديمة، كانت محاولة للتقرّب من الآلهة والتكفير عن الخطايا، قبل أن تدخل لاحقاً في باب الإغراء، بانتقالها من المعابد إلى الشارع.
كانت نجوى فؤاد التي تجلس اليوم وراء منصة التحكيم، إحدى ألمع الراقصات الشرقيات، على مدى نحو أربعة عقود متواصلة. ألم ترقص أمام هنري كيسنجر؟ وإذا بالسياسة تتماهى مع الفن وتصنع جسراً بين الشرق والغرب. وفي البرنامج المذكور، تلمع عينا نجوى فؤاد بحزن وشجن عميقين، كأنها تستعيد سيرتها القديمة، وهي تنظر إلى أجساد فتية تتمايل فوق الخشبة، لكنها تفتقد الخبرة والليونة المطلوبتين. فالرقص الشرقي كما تفهمه هذه الراقصة، وفق تعليقاتها على أداء المتسابقات، ليس «هزّ وسط وبس»، بل إيقاع متناغم بين حركة الجسد والموسيقى، وغيبوبة كاملة للجسد أثناء التحليق. قد لا يطمح سيمون أسمر إلى سحب الرقص الشرقي إلى بساط أمجاده القديمة، وتحميله بُعداً جمالياً وثقافياً خالصاًإذ إن معظم المتسابقات شاركن، بإغراء انتشار مدارس الرقص الشرقي، خصوصاً بالنسبة إلى الأوروبيات. إذ إن هناك راقصات من فرنسا وروسيا والبرازيل، جئن ربما بتأثير موجة انتشار الرقص الشرقي في العالم، واكتشاف فن غرائبي، يعيدهن إلى تصورات مقتبسة من «ألف ليلة وليلة»، وسحر الشرق عموماً. أما بالنسبة إلى الراقصات العربيات، فيحلمن ـــــ كما يبدو ـــــ بامتلاك مهنة على أصولها، للتخلص من شبهة «هزّ البطن» وحدها، طالما أن للبرنامج بعداً أكاديمياً. فمدربو الرقص يسعون هنا إلى تخليص الجسد من فائض الإغراء والابتذال السطحيين عبر وصفة علمية صارمة لحركة الأعضاء، وتدريب الأذن على ذائقة موسيقية، تمزج الإحساس والتقنية في حركة طيران واحدة. ربما علينا أن نتذكّر في هذا المضمار، شغف إدوارد سعيد بالراقصة تحية كاريوكا (نبوية محمد كريم). هو كتب عنها نصاً بديعاً بوصفها نموذجاً إيروسياً راقياً، لجهة تقشفها في الحركة والإغواء والحركات الإيحائية الغامضة، بعيداً من الإعلان الفضائحي للجسد. وقد ظلّت هذه الصورة محفورة في ذاكرة المفكر الفلسطيني الراحل، منذ أن شاهدها، مطلع شبابه، في «كازينو بديعة مصابني» في قاهرة الخمسينيات. وحين قرر كتابة مذكراته «خارج المكان»، استعاد هذه الصورة بكامل بلاغتها وعذوبتها، فطلب أن يلتقي صاحبتها قبل رحيلها بأشهر، بقصد تصوير فيلم تسجيلي عن حياته. لكن الموت خطفها قبل أن يحقق أمنيته، فاكتفى بكتابة نص استثنائي بحق، في سياق تأويلي ينتصر للكيانات المقموعة والمهمّشة في الثقافة الشعبية.
أهمية برنامج «هزّي يا نواعم» (ماذا لو كان اسماً آخر؟)، تكمن في اقتحامه التابو الاجتماعي وخلخلة الصورة التقليدية والمقموعة للرقص الشرقي، وقانون العيب. إضافة إلى مقارعته بشكل مضمر، برامج أخرى تقف على الضفة الأخرى، وتعلن النفير، في قائمة طويلة من الممنوعات والمحرمات والتهديد والوعيد!
كل خميس 20:30 على الفضائية اللبنانية / كل سبت 20:45 على LBC