strong>صباح أيوب
ها هي تعود مجدداً، «الحساسية» التي لطالما «أصابت» العلاقات الفرنسية ـــــ الأميركية على الصعيد الثقافي. وها هو التقارب السياسي (إلى حدّ التماهي) الذي يبشّر به العهد الساركوزي بين الإدارة الأميركية والإدارة الفرنسية، يتزعزع بإعادة إطلاق أولى الشرارات التي من شأنها أن «تلهب» الساحات الثقافية «الهامدة» منذ فترة بين قطبي التناقض التاريخيين. وأولى علاماتها مقالان نشرا في إحدى أهم الصحف الأميركية والفرنسية. الأول ينتقد ويهزأ ويبرهن بالأرقام، والثاني يردّ ويشتم. فما الذي يحصل؟
نشرت مجلة «تايم» الأميركية، في طبعتها الأوروبية في عددها الصادر يوم 21 تشرين الثاني 2007 مقالاً للكاتب دون موريسون بعنوان «بحثاً عن الزمن الضائع. إعلان وفاة الثقافة الفرنسية». وقد خصصت له المجلة غلافها ومقالها الرئيسي. وفي المضمون، ذكّر الكاتب بأمجاد الثقافة الفرنسية وعدّد بعض أسماء النجوم، إن في الحقل الأدبي أو المسرحي أو الموسيقي أو السينمائي، كما وصف الوضع الحالي داخل فرنسا بالكثافة في الإنتاجات الفنية «فالكلّ في فرنسا يأخذ الثقافة على محمل الجدّ، 727 رواية جديدة في السوق، مئات الألبومات الموسيقية وعشرات الأفلام، حفلات حيّة على مدار السنة في صالات فخمة»... استهلّ موريسون مقاله بهذه المقدمة «الإيجابية» و«المدحية» للوضع الثقافي الحالي في فرنسا، لينتقل بعدها مباشرة إلى القول إنّ «كل تلك الحركة لا تكاد تُلحظ خارج الحدود الفرنسية (...) فرنسا اليوم هي قوة خائرة في السوق الثقافي العالمي». ويأتي ببعض الأرقام التي تثبت ظاهرة تراجع صناعة السينما الفرنسية مثلاً، وعدم ترجمة الكتب الأجنبية وعدم الإقبال على بيع الكتب باللغة الفرنسية أصلاً. ويشير موريسون إلى غياب «النجوم» عن الساحة الثقافية الفرنسية الحالية مثل سارتر، أو مالرو أو كامو، أو بياف وأزنافور وغيرهم... ويخلص إلى إيجاد الطريقة الأفضل لاسترجاع فرنسا «كعملاق ثقافي» وهي «تغيير المناهج الدراسية وتنفيذ اقتراحات الرئيس نيكولا ساركوزي». إذاً، بعد إعلان «أسباب الوفاة» علّقت مجلة «تايم» ورقة النعي تلك على صفحتها الأولى، فما كان من صحيفة «لو فيغارو» إلا أن ردّت، وعلى الصفحة الأولى من موقعها الإلكتروني، بمقال موقّع من «الأكاديمية الفرنسية» بقلم موريس درويون، تحت عنوان: «لا، الثقافة الفرنسية لم تمت!». مذكّراً فيها كاتب المقال القرّاء بـ«موسم الكراهية والعداء للفرنسيين الذي يصيب الأميركيين كل 4 أو 5 سنوات». وعلى الرغم من خلو المقال الفرنسي من أية وقائع أو أرقام تثبت عكس ما جاء في المقال الأميركي، فإن حدّة الأسلوب كانت كفيلة بإيصال الرسالة المطلوبة وهي أنّ «الثقافة لا تقاس بمردود شباك التذاكر الأسبوعي، الثقافة تُقَوَّم بعد مرور وقت»، فيستشهد درويون بظاهرة انتشار اللوحات الفنية الفرنسية في معظم المتاحف وصالات العرض العالمية لغاية الآن، كما أنّ سارتر ومالرو «لا يزالان من الكتّاب المعاصرين». ويدعو درويون «زميله» من الـ«تايم» لزيارة الكليات والمعاهد الفرنسية للتعرف إلى المواهب الجديدة التي تصقل في جميع المجالات. وفي نهاية المقال، يرفض الكاتب الفرنسي أن يتهم جميع الأميركيين بالجهل، فيختم قائلاً: «أميركا لها مبدعوها، لكنهم بالتأكيد لا يكتبون في الـ«تايم»!