رامي الاصيل
لعل «الشماعية» (دار المدى ـــــ دمشق) لعبد الستار ناصر أول رواية عراقية تتناول بلاد الرافدين بين عهدين: قبل الاحتلال في تسعينيات القرن الماضي، وبعده، واضعةً شخصياتها في إطار معاناتهم قبل الاحتلال وبعده. وإذا كانت الرواية تتخذ من «الشماعية» ـــــ مستشفى المجانين في بغداد ـــــ عنواناً لها، فالكثير مما وقع لأبطالها قد حصل خارجها: في المعتقلات وأقبية التعذيب.
تقوم هذه الرواية على استدعاء شخصيات لكل منها «قضيتها» التي أوصلتها إلى الشماعية. أولى شخصياتها أمين هاشم بيطار السياسي اليساري. وعلى رغم ظهوره على التلفزيون قائلاً: «الحزب الشيوعي صار من الماضي، فإنه، هو نفسه انتهى ليرى أنّ «الموت رحمة عظمى» بفعل ما عانى من صنوف الإذلال. ولم يخرج إلى الشارع ويرَ الحياة إلاّ بعدما كسر «جنود الاحتلال» أبواب الشماعية مع سائر المعتقلين. وهو وإن راح يبحث في شوارع المدينة عمن كانوا معه، يتساءل عمن يعوضه «عن تلك السنوات اللقيطة التي عشتها هناك؟». وفي نهاية المطاف، يقرّ بأنّ الخراب الأخير قد حل على البلد مضيفاً بأسى: «دعها تتسلّ بنا فضائيات العالم، ليس ثمة ما هو أكثر تشويقاً من جنس بشري يُحذف».
صفية هي الشخصية الثانية في الرواية، أدخلها أبوها الشماعية «ليطمر عارها»، إلاّ أنّ مدير المستشفى يغتصبها لتصبح لاحقاً مباحة للجميع. مع ذلك، هي تنظر إلى الأمور نظرةً واقعيةً عندما تتحدث عن «سقوط النظام» الذي عانت منه بعدما أسلمها أبوها إلى هذا المصير.
الشخصية الثالثة هي أسعد سعيد فرحان الذي يلعن اسمه الذي لم يجلب له سوى «النحس» بعدما وجد نفسه «يُنقل مثل كيس الحنطة من معتقل إلى غرفة انفرادية تحت الأرض الى مستشفى الشماعية». أما ذنبه الوحيد فهو أنّه «من أقارب أمين هاشم بيطار». لكنّه سرعان ما يجد أمنياته تتحقّق مع دخول الأميركيين العراق، واصفاً ما حصل بـ«المعجزة»! أما الشخصية الرابعة فهو رجل المخابرات عمار مظهر الشيخ الممزق بين واجبات وظيفته وبين ممارستها على «الآخرين». والشخصية الخامسة هو محمد جميل السويركي، الفلسطيني القادم من لبنان الى العراق بتزكية حزبية. وكان هدفه إكمال دراسته الجامعية في بغداد. يسرد هنا ما واجه وزوجته من مواقف، إذ يتعرّض للاعتقال والتعذيب بتهمة التجسّس فيما تتعرّض زوجته للاغتصاب.
في خاتمة الرواية، يقدّم ناصر بانوراما لمصائر أبطاله: منهم مَن مات في «الشماعية»، ومنهم من اختار المنفى ملاذاً. أما أمين هاشم بيطار فصار يشمئز من السياسة، مؤمناً أنّ «لا شيء سوى فراغ مهول مخيف مرعب أكبر من أي كابوس مرّ علينا من مئات السنين» كأنّه يدخل في عملية مراجعة للماضي والحاضر على السواء.