محمد خير
«هذا الجوع إلى أي امرأة/ هو ما يجعلني أكثر حذراً/ عندما أحلق ذقني كل صباح/ أخاف جرحاً صغيراً/ تنفلت منه رغباتي المحبوسة».
في باكورته الشعرية «كيف يقضي ولد وحيد الويك إند» (دار ميريت ـــــ القاهرة)، يبدو الشاعر إبراهيم السيد (1983) موهبة تبحث عن صوتها الخاص. وهو بحث في التزامه بأرض النثر يتحرك منها باتجاه الماضي أكثر مما يفعل ـــــ عادة ـــــ أبناء جيله.
هو يريد أن يكتب قصيدة «ما بعد حداثية كالمعرّي» وإن كانت «نقية، كالمياه المعدنية» منطلقاً من مقولة البرتغالي الأشهر فرناندو بيسوا «أن أكون شاعراً ليس ما أطمح إليه، لكنها طريقتي كي أكون وحيداً».
في الديوان الصغير الذي يفتقر إلى الفهرس، يقسّم إبراهيم قصائده إلى نصفين، يخصّص لنفسه القسم الأول «يبدو أن أحدنا قد مات» بينما يعنْون القسم الثاني المشغول بالحب «منقوش بحنّاء». والحب هنا يفوح ببراءة القصائد الأولى «كانت في العشرين/ بخفة أرنب/ ورائحة الليمون، تركت جسدها، أمانة/ مع الولد الذي من فرط طيبته/ صنع من قلبه مظلة للغرباء».
إنه حب، في واقعيته، يلتقط التفاصيل دون أن يشذبها، فتبدو حبيبته «موناليزا محجبة/ تحتمي بظل ابتسامتها من مطر
أسئلتي».
يعود الواقع تدريجاً عندما يتسع الكادر في الشارع أثناء «ظهر اليوم الأول»، يسير «في خطوط متعرجة/ يسير مبتعداً، عن الأرصفة/ عن عربات الأمن المركزي ـــــ المنتشرة كالروماتيزم في مفاصل المدينة ـــــ عن عساكر الشرطة ـــــ هؤلاء الطيبون المصابون بفقر الدم وسوء التغذية ـــــ يسير باحثاً عن امرأة تشاركه/ ضحكة مشروخة من أثر الدخان/ ومحبته تلك التي لا يملك غيرها».
قصائد قصيرة مترددة بين الواقع والرغبة، تمزجهما في عبارات لم تتخلّص تماماً من موسيقى التفعيلة، وما زالت تنتظر المعجزات «لستِ نبية ـــــ ما ستعتبرينه تمييزاً ضد المرأة ـــــ رسالتك المحبة/ حوار يوك/ أطفال الشوارع/ ثوار سابقون/ مناضلون ـــــ هكذا يسمون أنفسهم ـــــ شعراء متقاعدون/ عمال المقاهي/ منادو السيارات/ لستِ نبية/ لكنك سيدة المعجزات الصغيرة». باستخدام لغة سهلة تتصاعد القصائد ـــــ كل على حدة ـــــ حتى تلقي بما في داخلها وتستكين، كما يحدث مع الجالس في «بار ستلا»: «كان عليّ أن أبكي قليلاً/ كساحر متقاعد/ فقد يديه/ أفكر في النوافذ المفتوحة/ الأشجار التي قتلناها/ السلالم التي لا تنتهي لمحطة مترو الأوبرا/ الروائح التي لا أميزها لأصدقائي الافتراضيين/ الأبواب التي فقدنا مفاتيحها».