بشير صفير
• «رباعي الجيب» في ضيافة أشهر مهرجانات الجاز العربيّة

في عام 2004 دشّن Liban Jazz، فاتحاً أبواب بيروت أمام رموز الاتجاهات الحديثة في موسيقى الجاز. واليوم يعود لإطلاق الدورة الخامسة من المهرجان، برفقة دافيد بريه على الساكس، واريك جاكو على الكونترباص، ولوك ايزنمان على الدرامز

يَفتتح مهرجان «ليبان جاز» مساء غدٍ دورته الخامسة التي ستحمل مواعيد لاحقة لعام 2008. ويبدو أنّ الموسم الجديد الذي ننتظر ضيوفه تباعاً سيكون مميّزاً. أرتشي شيب، ظافر يوسف، أنور براهم، مينا أغوسّي، هنري تكسييه، ألدو رومانو، تريلوك غورتو، ليز ماكومب، إريك تروفاز، ماجيك ماليك، جوليان لورو، لوران دو وايلد، ديمي إيفنز ... أسماء كبيرة، تشكّل لائحة رموز الجاز ومدارسه الحديثة، حلّت ضيفة على لبنان بدعوة من Liban Jazz. هذا المهرجان الذي حوّلته جهود مؤسّسه كريم غطاس مهرجاناً عريقاً يتميّز عن غيره (بعلبك، بيت الدين، بيبلوس، البستان...) بموسمه الدائم على مدار السنة وبرنامجه المتخصّص في الجاز، تحديداً الجاز الفرنسي أو الفرنكوفوني بنسبة كبيرة.
غداً يتجدد اللقاء مع موسيقي الجاز الفرنسي لوران مينيار وفرقته. هذا الفنان افتتح الدورة الأولى من «ليبان جاز» عام 2004. لكنه هذه المرّة، يعود الى «ميوزكهول» بتركيبة مصغّرة بعدما كانت حفلة 2004 أوسع تحت عنوان «لوران مينيار ديوك أوركسترا»، وأقيمت يومها في ذوق مكايل (شمالي بيروت).
حفلة مساء غد، تختلف جذرياً عمّا قدمه الموسيقي الفرنسي يوم كان «ليبان جاز» يقام في ذوق مكايل (الدورة الأولى والثانية)، ولو أنّ بصمته وشخصيته هما من الثوابت في موسيقاه. في حفلة الذوق، قدّم مينيار ثمرة بحثه الطويل في الإرث الموسيقي الذي تركه أحد أهم رموز بدايات الجاز، المؤلف وعازف البيانو الأفريقي الأميركي ديوك إلنغتون (1899 ــــ 1974). في هذا السياق، راح مينيار على مدى سنوات يدوّن مؤلفات إلنغتون انطلاقاً من التسجيلات التي قام بها هذا الأخير، إذ إنه لم يترك مدوّنات بالنوتة الموسيقية للأعمال الكثيرة التي ألّفها. هكذا، عمل مينيار على التدوين في مرحلة أولى ثم على إعادة توزيع موسيقي، معتمداً منهج الأمانة من جهة وإضافة لمسته الخاصة من جهة أخرى. بعد ذلك، جال الموسيقي المولع بديوك إلنغتون العالم، مقدّماً برامج مختلفة مع فرقته الكبيرة «لوران مينيار ديوك أوركسترا». وقد راوحت من الأعمال ذات الطابع الديني التي تطغى عليها موسيقى البلوز والغوسبل الممزوجة بالجاز إلى المتتاليات الجازية الشهيرة في ريبرتوار إلغنتون.
قدّمت هذه الأوركسترا التي زارت لبنان ضمن جولة عالمية، حفلةً بعنوان Far East Suite. وتألّفت يومذاك من آلات نفخ نحاسية (ساكسوفونات، ترومبونات، تروبيتات) وخشبية (كلارينيت وفلوتات) وبيانو وكونترباص (15 موسيقياً) بقيادة مينيار. أمّا حفلة غد، فستشهد عرضاً لفرقة «رباعي الجيب» Laurent Mignard Pocket Quartet التي يشارك فيها مينيار عزفاً على الـ«بوكيت ترومبيت» (ترومبيت الجيب) وهي ــــ كما يدلّ اسمها ـــ آلة نفخ نحاسية أصغر من الترومبيت العادي المعروف لكنّها تشبهه في الشكل. أمّا صوتها، فيختلف قليلاً عن صوت شبيهتها، وهو يقترب بعض الشيء من نبرة آلة من العائلة نفسها هي الفلوغل هورن Flugelhorn. ويرافق مينيار الثلاثي دافيد بريه (ساكسوفون) واريك جاكو (كونترباص) ولوك ايزنمان (درامز). أما المادة الموسيقيّة التي ستشكل نواة حفلة الغد، فستنهل من أسطوانة الفرقة الأخيرة بعنوان Alter tropicus (2004) التي كتب مينيار معظم مقطوعاتها، وشاركته الفرقة في كتابة الجزء الثاني منها. هذه الأسطوانة التي يلتقي عندها الجاز وموسيقى العالم في «دعوة للسفر» إلى الأصقاع البعيدة، تتميّز بالبناء اللحني المتماسك في معظم الأعمال، وبجمال الخلاصة الصوتية المرادة من التوزيع، وباحترام الموسيقيين للمكتوب في أدائهم... لكنّه احترام لا يلغي هامش التعبير الحرّ، أي الارتجال. المقطوعات ــــ وإن انتمت الى الجاز الحديث ــــ تنطلق من موضوعة رئيسية، تُبنى حولها الجمل المكتوبة أو المرتجلة، كما هي الحال في الجاز الكلاسيكي عامة. كما أنّها تنتمي في معظمها الى الجاز الميلودي الذي يسهل تلقّفه من دون أن يكون سطحيّاً. وتحاكي الأسطوانة في محطات قليلة فيها، تيارات الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة، فيما يلامس بعض جملها التيّار التجريبي من دون أن يغوص عازفها في هذا الاتجاه أو يسترسل في اللجوء اليه.
اللافت في Alter tropicus أنّ مقطوعاتها قصيرة لا يتعدى بعضها ست دقائق، فيما يبلغ بعضها الآخر دقيقةً أو أقلّ، ما يجعلها تولّد شعوراً عند المستمع بأنّها عبارة عن رسوم أوليّة أو تخطيطيّة قابلة للتطوير. إنّها طبعاً نقطة ضعف واضحة في تسجيل الاستوديو. وقد يكون أصحابه أرادوا إقحام أكبر عدد من الجمل الموسيقية المختلفة، لتكون مادة غنيةً تقوم عليها التسجيلات الحية، وذلك لناحية تطويرها في ظلّ التفاعل مع الجمهور. في ختام الأسطوانة، تطالعنا مقطوعة غير واردة في الكتيب. فبعد المقطوعة الأخيرة، تبدأ الفرقة بعزف الجمل الأساسيّة الواردة في معظم المقطوعات الأخرى، بترتيب عشوائي كأنّها تعيد أبرز عناوين ما ورد في نشرتها الموسيقية!
تجدر الإشارة الى أنّ الفرقة تستقبل في حفلة الغد ضيفاً لبنانياً يشاركها العزف في جزء من السهرة: إنّه عازف الإيقاعات خالد ياسين الذي بات من ثوابت حفلات «ليبان جاز» في «ميوزكهول» ورمز الحيوية الشرقية التي تقارع ـــــ متى حلت ـــــ أكثر الآلات الإيقاعية الغربية هجوميةً وطاقةً صوتية! لم يعلن المنظمون الأسماء المرتقبة لموسم 2008، لكنّ البداية القوية مع لوران مينيار، والطابع الاحتفالي الذي يلفّ الحدث مع انطلاقة الدورة الخامسة، يبشّران بعام حافل. لكن في بلد يقف على فوهة بركان، تبقى الكلمة الأخيرة للسياسة!

غداً الأحد ــــ 8:30 مساء ــــ في «ميوزكهول»، بيروت ــــ للحجز 01،566966 / 01،361236