بلا تأزيم» مهرجان موسيقي سنوي تنظّمه «إن ــــ كونسرت» في لبنان منذ الأزمة الرئاسية في صيف 2004. وشاءت سخرية الأقدار أن لا يفقد هذا النشاط حجته منذ إطلاقه، بل إنّ تأزّم الوضع السياسي حال دون إقامة المهرجان في صيف 2006. هذه السنة، استعاد المهرجان حضوره من خلال حفلات في بيروت وصور على مدى يومين، لكنّه استثنائياً عاد إلى الواجهة في حفلة يتيمة نظّمها بالتعاون مع معهد «غوته» في بيروت لفرقة «سيمينولوجي» مساء الأربعاء الفائت في «أسمبلي هول» (الجامعة الأميركية). غصّت الصالة بالجمهور البيروتي من أجانب ولبنانيين أتوا للتعرف إلى هذه الفرقة ذات التركيبة المتعددة الإثنيات والمثيرة للفضول.
تتألف «سيمينولوجي» من ثلاثة موسيقيّين ومغنية: بينيديكت يانل (بيانو) ورالف شفارتس (كونترباص) من ألمانيا، كيتان بهاتي (إيقاعات) ألماني من أصول هندية والمغنّية سيمين سماواتي من إيران. وقد قدمت الفرقة على مدى أكثر من ساعة مجموعةً من المقطوعات الموسيقية ـــــ الغنائية التي تحاكي الجاز من دون أن تمتّ إليه بصلةٍ وثيقةٍ كما جاء في الإعلان عن الحفلة، وتقترب من أكثر من نمط بنسب متفاوتة (الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة، التجريبية المضبوطة، الموسيقى الإثنية...) وحضور طاغٍ للتراث الفارسي المتعدّد المكوّنات بفعل جغرافية إيران وتاريخها المتّصلين بشعوب الشرق والغرب. أغنيات تعود نصوصها الفارسية إلى حقبات مختلفة، بدءاً من العصور الوسطى وصولاً إلى نصوص جديدة كتبتها المغنية الإيرانية التي تعتمد بنسبة كبيرة في غنائها على التراشق الصوتي المرافق بدقّة لجمل البيانو والكونترباص (Scatting) أو الأداء المتواصل من دون كلام (فوكاليز) على غرار الأذربيجانية عزيزة مصطفى زاده. من جهة أخرى، برع عازف البيانو في أداء الجمل المكتوبة التي تحمل إجمالاً الطابع الكلاسيكي المحافظ كما الحديث (التكراري)، لكنّه وقع في مطبّات كثيرة أثناء الارتجال رغم أنّ تقنيته العالية قادرة على ترجمة أفكاره الموسيقية الآنية إن وُجدت. أما «نجم» الأمسية من دون منازع فكان عازف الإيقاعات الذي يتمتع ـــــ إضافة إلى التمكّن من آلته الأساسية (درامز) وأكسسواراته ـــــ بفائض إحساس لافت، فضلاً عن حسّه التجريبي غير المبتذل، وبتفاعل عالٍ مع الفرقة يطلق عنانها هنا ويضبطها هناك.
غنّت سيمين سماواتي بلغتها الأم، وتواصلت مع الجمهور بالإنكليزية. وعندما سألت إن كان بين الحضور مَن يجيد الفارسية... ارتسمت على وجوه الحاضرين ابتسامة حملت معاني متفاوتة اختلفت باختلاف انتماءات أصحابها. بالطبع استغربت المغنية الحسناء ردّ الفعل الجماعي هذا، فكيف لها أن تفهم تعقيداتنا السياسية ـــــ الطائفية وتحالفاتنا الداخلية والخارجية؟ فما كان منها إلا أن تابعت تقديم فنّها بالإيرانية وشرحه بالـ...أميركية!
بشير...