محمد عبد الرحمن
«فوضى» شاهين ما زالت تثير المشاكل، وفيلم «المسيح» ينتظر موافقة الكنيسة. أما مسلسل «أسماء بنت أبي بكر»، فأجِّل حتى إشعار آخر... إنّها الرقابة المصرية، وقد أطلّت برأسها من جديد، معلنةً الحرب على كل مَن «يتجرّأ» ويقترب مِن الثالوث المحرّم!
بينما كان علي أبو شادي، رئيس الرقابة على المصنّفات الفنية في القاهرة، يُفاخر بأنّ الحذف الذي طال فيلم «هي فوضى» لم يزد على ثمانين ثانية، وأن صنّاع الفيلم لو كانوا رقباء، لرفضوا السماح لشريط يوسف شاهين بالعرض على الشاشات مثلما هو... طارد أبو شادي نفسه مهرجان القاهرة للأفلام المستقلة في دورته الثانية. وقد نجح فعلاً في تأجيل المهرجان وإجبار إدارته على الرضوخ لطلباته. إنّها الرقابة تطلّ برأسها من جديد، لتُحكم قبضتها على أفلام ومسلسلات ومهرجانات، ناسيةً أنّ الجمهور بات يعيش في عصر الفضائيات المفتوحة، ويملك حريةً مطلقةً لمتابعة كلّ ما يثير لعاب أجهزة الرقابة.
أجهزة علي أبو شادي، سمحت بإمرار الهجوم على الحكومة والحزب الوطني في فيلم «هي فوضى»، وحذفت إهانة وكيل النيابة ومأمور القسم. أي أنّها لا تمانع أي هجوم عام على السلطة، لكنها ترفض أن تتسبب جرأة مخرج، بخلافات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية! علماً أنّ اسم يوسف شاهين على جنيريك الفيلم، سهلّ كثيراً خروجه إلى النور، من دون عمليات تشويه. وهو ما يحدث أيضاً مع أسماء مثل عادل إمام والسيناريست وحيد حامد. فيما تخضع الأسماء الأخرى لقانون صارم، استخدمه أبو شادي أخيراً ضدّ مهرجان القاهرة الثاني للأفلام المستقلة. إذ أرسل إلى الجهة المضيفة (غاليري «تاون هاوس») إنذاراً شديد اللهجة، محذرّاً الغاليري المصرية من استضافة المهرجان قبل عرض أفلامه على الرقابة، وهو ما يهدّد معظم هذه الشرائط، بسبب تجاوز الأفلام المستقلة المصنوعة على طريقة الديجتال، عادةً للخطوط الحمر. وبالفعل، رفض المنظمون ـــــ وهم مجموعة من المخرجين الشباب يرأسهم محمد عبد الفتاح ـــــ شرط الرقابة التي اعتمدت نصاً قانونياً، يؤكد حقّ الرقيب في إجازة كل عمل فني يعرض للجمهور، حتى لو كان العرض غير تجاري.
وبعد مدّ وجزر وجدال صحافي استمر أسبوعاً كاملاً، رضخ أصحاب المهرجان، وقرروا تأجيل دورتهم إلى كانون الثاني (يناير) المقبل، مع وضع المخرجين المشاركين أمام خيارين: عرض الفيلم على الرقابة أو الانسحاب!
اللافت أن الرقابة التي بدأت تتساهل في أمور عدة تخصّ السياسة والجنس، ترفض التفاوض على أمور أخرى، خصوصاً رجال الشرطة. والدليل ما حدث في «هي فوضى» وفيلم «أسد وأربع قطط»، إذ اشترطت تغيير عنوان الفيلم عبر حذف كلمة ضابط التي استبدلت لاحقاً بأسد.
أما الأفلام ذات الطابع الديني، فتترك مهمة تحديد مصيرها إلى السلطات الدينية، إسلامية كانت أو مسيحية. وإذا كان عادل إمام قد استشار البابا شنودة قبل الشروع في تنفيذ فيلمه الجديد «حسن ومرقص»، فبدّل شخصية البطل من قسيس إلى مدرّس لاهوت، ها هو السيناريست فايز غالي يطلق صرخة احتجاج، مذكّراً بأنّ عاماً كاملاً مضى على تسليمه مشروع فيلم «المسيح» إلى البابا، ولم يلقَ أي ردّ حتى الآن.
وكان غالي قد تحمّس لهذا المشروع، بعد نجاح «آلام المسيح» لميل غيبسون في مصر، متسائلاً: لماذا نسمح للأجانب بعرض أفلامهم، فيما نمنع أهل البلد من تقديم نموذج مماثل؟ وقال غالي إنّه وعد البابا بتلبية جميع طلباته، خصوصاً في ما يتعلق بالممثل الذي سيقوم بدور المسيح. على أن يكون وجهاً جديداً، لم ولن يمثل دوراً آخر. كما أبدى تعجّبه من «تعنّت الكنيسة»، على رغم أنّ مصادر إسلامية أكّدت أنها لن تعارض الفيلم إذا لم يعرض عليها رسمياً. فالأزهر، لو ناقش الفكرة، فسيصدر حكماً قراراً بمنعها، على اعتبار أنّّ شيوخه يرفضون تجسيد شخصيات الأنبياء والصحابة على الشاشة. لكن تساهل الأزهر مع فيلم المسيح يعود إلى يقين علمائه، بأن الكنيسة نفسها ستكون أكثر صرامةً، خصوصاً بعد أزمتها الشهيرة مع فيلم «بحبّ السيما».
أضف إلى ذلك أنّ الأزهر مشغولٌ حالياً بمجموعة أعمال فنية، طلبَ من علمائه النظر فيها، لعلّ أبرزها «أسماء بنت أبي بكر»، مسلسل بهاء الدين إبراهيم الذي جمّد، لإجراء تغييرات عدة. إلا أن المعلن في الكواليس، هو رغبة شيوخ الأزهر بالابتعاد عن شخصيات إسلامية، حتى لو لم تكن تتمتع بشهرة الصحابة الممنوعين من الظهور في التلفزيون، وذلك تجنباً للجدل الذي أثير حول مسلسل «خالد بن الوليد». وبهاء الدين إبراهيم ويعاني أيضاً من منع مسلسل ثان، كتبه بعنوان «الفتنة الكبرى»، وتناول فيه وقائع اغتيال أمير المؤمنين عثمان بن عفان.
يذكر أنّ رقابة التلفزيون تحاول دائماً المزايدة على رقابة السينما. والدليل ما حدث مع مسلسلات عرضت أخيراً، أبرزها «يتربى في عزّو»، و«حق مشروع»، و«نقطة نظام»، و«قضية رأي عام». إذ وضع الرقيب في كفّة واحدة مشاهد اغتصاب، ومواقف معادية للتطبيع، ونقداً مباشراً لممارسات رجال الأمن، حتى يلغيها من أحداث هذه المسلسلات. حتى على صعيد البرنامج، رفضت الرقابة حلقات كاملة من برنامج «المانع والممنوع» للميس الحديدي على التلفزيون المصري. كذلك عانى حسين فهمي من رفض حلقات عدة من «الناس وأنا»، بحجة أنها غير لائقة للعرض في رمضان، خصوصاً تلك التي ناقشت قضايا جنسية. ومع ذلك، لم تخرج الحلقات إلى النور، على رغم مرور شهرين تقريباً على عيد الفطر!



أظهر استطلاع للرأي أجرته «بي بي سي»، ونشرت نتائجه أمس، أنّ الرأي العالمي منقسم حول الأهمية التي تمثّلها حرية الصحافة. وبيّن الاستطلاع الذي شمل 11344 مشاركاً من 14 دولة، أن 56 في المئة من هؤلاء رأوا أن حرية الصحافة مهمة جداً لضمان وجود مجتمع حر، مشيراً إلى أنّ 40 في المئة من المشاركين قالوا إن الحفاظ على السلام والتجانس الاجتماعي هما أكثر أهمية، حتى لو كان المقصود من وراء ذلك تقييد حرية الصحافة، لكي تغطي الأحداث بموضوعية. وأضاف الاستطلاع الذي أجرته مؤسستا الأبحاث «غلوبسكان» و«سينوفيت»، ونشرته «يو بي آي»، أن 70 في المئة من المشاركين في البرازيل والمكسيك والولايات المتحدة وبريطانيا اتفقوا مع الاقتراح الذي يرى أّن ملكية وسائل الإعلام لها دور في طبيعة تغطياتها الإخبارية.