strong>خليل صويلح
• ماذا بقي من «الاتحاد العام» بين انقسامات وتبعيّة وتسيّس؟
السجال العنيف الذي أثير عشيّة مؤتمره المؤجل، ذكّر الرأي العام بأن «الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين» يعيش أزمة هويّة، وأزمة مصير. وهذا الاحتضار البطيء مردّه بشكل أساسي إلى أشكال الوصاية السياسية التي تكبّل تلك المؤسسة النقابيّة (مقرّها دمشق)، ويثير مجدداً قضيّة استقلاليّة المثقف

حالما أُعلن التحضير للمؤتمر الوطني للاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين في دمشق بين 7 و9 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، خرجت الخلافات إلى العلن في دوائر الاتحاد. التجاذبات والصراعات والتمزقات التي تعيشها الساحة السياسية الفلسطينيّة، وصلت إلى هذه المؤسسة الجامعة التي «تأسست لتكون حاضنة للحركة الثقافيّة الفلسطينيّة» كما ذكّر الكاتب رشاد أبو شاور مطلق «شرارة الحرب» في كتاب مفتوح وجّهه إلى أقرانه في الأمانة العامة للاتحاد، وعمّمه على الرأي العام، محتجّاً على إشراك طرف سياسي من خارج الاتحاد في توجيه الدعوة إلى أحد اللقاءات التمهيدية للمؤتمر. وهذا الطرف هو بحسب أبو شاور «مؤسسة فلسطين الثقافيّة» التابعة لـ«حماس».
على أي حال، المؤتمر أرجئ إلى أجل غير مسمّى ولن تجد أحداً في مقرّ الاتّحاد في دمشق. هذا المقرّ الذي استضاف أسماءً لامعة في الثمانينات والتسعينيات، توقّف عن النشاطات الثقافية تماماً. حين تسأل كاتباً فلسطينياً عنه يجيب بلا مبالاة إنّه لا يعرف شيئاً، ولا يذهب إلى هناك إلا للحصول على بطاقة عضوية في الاتحاد. لا يحتاج الحصول على هذه البطاقة إلى أوراق ثبوتية ومنشورات تخصّ الكاتب، كما هي الحال في اتحادات الكتّاب العربية الأخرى. يكفي أن ترشّحك إحدى صحف الفصائل ـــــ وما أكثرها ـــــ كي تكون كاتباً. هكذا انتسب المئات إلى الاتحاد، بينهم سائقون وفرّاشون، وطابعو آلة كاتبة وعمال بوفيه، على حد تعبير الروائية نعمت خالد. ويلفت الباحث حمد موعد إلى وجود حوالى 1200 عضو في فرع سوريا وحده، في غياب الأسس النقابية عن هذه المنظمة التي تأسست عام 1972 بهدف حماية مصالح الكتّاب وتأطير جهودهم في خدمة القضية الفلسطينية، قبل أن تعصف بها الانقسامات.
من جهته، يشير أمين سر اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين في دمشق حمزة برقاوي إلى أنّ بذور الانقسام في الاتحاد نمت بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982، ولجوء الأمانة العامة إلى دمشق، كانعكاس لما كانت تشهده الساحة السياسية آنذاك. ويضيف «في هذا الإطار عقدت اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير مؤتمراً في الجزائر (1987)، كان بمثابة تكريس انقسام للاتحاد، إذ سارعت قيادات فروع الاتحاد إلى عقد اجتماع مضاد في دمشق (الفصائل العشرة)، انتهى إلى تشكيل لجنة العمل النقابي للاتحاد، وطرحت موضوع إعادة الوحدة والتمسّك بثوابت الاتحاد المستوحاة من الميثاق الوطني الفلسطيني».
هذا الوضع الإشكالي انعكس على وجود اتحاد الكتاب الفلسطينيين في عضوية اتحاد الأدباء العرب، ما أدى إلى تجميد عضوية الاتحاد «أمانة الجزائر»، وأتاح المجال أمام لجنة العمل النقابية كي تعقد عام 1997 المؤتمر الرابع للاتحاد في دمشق لتنتخب ناجي علوش مرةً أخرى أميناً عاماً للاتحاد، من دون حل الخلافات العالقة.
هكذا بقي مقعد فلسطين شاغراً في اتحاد الأدباء العرب الذي كان يرأسه علي عقلة عرسان، من مؤتمر دمشق 1997 حتى مؤتمر بغداد 2002. وفي مؤتمر الجزائر 2003، تمكّن عرسان من عقد صفقة مع وفد فلسطين تنصّ على استعادة مقعده الشاغر مقابل الموافقة على تعديل دستور الاتحاد، وترشّحه لدورة ثالثة. وكان من نتائج هذه الصفقة حسب تعبير نعمت خالد أن تمثّلت فلسطين في الأمانة العامة للأدباء العرب برئاسة المتوكل طه، رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل، ثم بدأت زيارات طه المكوكية إلى دمشق للتفاوض مع فرع دمشق لحلّ الإشكالات بين كتّاب الداخل وكتاب الشتات. وترى نعمت خالد أنّ الصراع سيظل قائماً ما لم يُفصل الكتّاب عن الصحافيين، وهو ما لن تقبل به الفصائل الموجودة في دمشق، فإذا تم ذلك، ستجد بعض الفصائل نفسها من دون كتّاب وستخرج خالية الوفاض من عضوية الأمانة العامة للاتحاد.
ولكن هل يمكن ترميم شرخ ما بعد أوسلو؟ ينفي برقاوي ذلك: «لا علاقة قانونية أو تنظيمية، تربطنا بالسلطة الفلسطينية في الضفة وغزة، وتالياً فهي لا تمثّل أي مرجعية لنا، ونحن ندين اتفاقات أوسلو وما انبثق عنها، لكننا نطالب بإعادة بناء المنظمة بما يسمح لها بأن تكون مرجعية لكل أطياف المشهد الفلسطيني». ويؤكد، من جهة أخرى، على تسوية الإشكالات بين اتحادي الداخل والشتات.
وفي هذه المعمعة، هناك تكتل ثقافي آخر يعمل كطرف ثالث، يقوده الكاتب رشاد أبو شاور في عماّن، وله طروحات مستقلة. وحين نسأل حمد موعد عن موقف رشاد أبو شاور مما يحصل، يجيب بعامية فلسطينية «رشاد حاطط رجل في الفلاحة ورجل في البور». ويضيف: «مشكلة رشاد أبو شاور في مواقفه المتناقضة، فهو يبحث عن دور، سواء داخل السلطة أو خارجها، إنه من جماعة «لعم»، يقول لا هنا، ونعم هناك، ومواقفه الحقيقية غير مواقفه المعلنة».
لا يستثني موعد أحداً من الإدانة، ويستشهد بمطلع قصيدة للشاعر الراحل راشد حسين «سيدي يحلم بالثورة، لكن لا يقاتل». ويرى أن هذا التشرذم بين ثلاثة كيانات فلسطينية هو انتحار حقيقي للمثقف الفلسطيني. بينما يجد أنّ الحل يتمثل في منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وبوحدة المصير. ويستدرك قائلاً «من الخطأ وضع كيان مقابل كيان آخر، ولا بد من إيجاد أرضية مشتركة. فأنا لا أريد أن تكون نسخة مكررة عن تيار آخر، وقد آن الأوان كي نحترم العقل ونهجر الشعارات الجوفاء، وأن يستعيد اتحاد الكتّاب نشاطه كمنظمة نقابية وديموقراطية، وليست سياسية، فتسيّس العمل الثقافي أفقده جوهره ومحتواه».
أمّا حمزة برقاوي، فيرفض عزل السياسي عن الثقافي «نحن ننطلق من تكامل الجبهتين السياسية والثقافية، من دون التنازل عن الاستقلالية النقابية للاتحاد». ويعلّق موعد ساخراً «أي كلام يا عبد السلام؟». ويسأل كيف انتسب «شوفير» هذا المسؤول ـــــ أو زوجته! ــــ إلى عضوية الاتحاد؟ كأنّ المهم هو الكم لا الكيف، ولماذا لا يُعزل الصحافيون عن الكتّاب، وفقاً لما هو حاصل في اتحاد الكتاب العرب في سوريا، أم أنّ الأمانة العامة صارت مضافة لبعض العاطلين من العمل لتناول الشاي والقهوة؟
أسئلة كثيرة تواجه اتحاد الكتاب الفلسطينيين، في ظل الصراعات الدائرة، وخصوصاً بعد أحداث غزة وبروز «المثقف الحمساوي» على الساحة، ليطالب هو الآخر بحصته من الكعكة!