القدس المحتلة ــ نجوان درويش
لنبدأ من الآخر. جميع المعطيات والوقائع والشهود تفيد أنّ اتحاد الكتّاب الفلسطينيين في حكم الميت. بل يبدو في أحسن حالاته لافتة مهترئة في استرجاع الصراعات الداخلية وهيمنة التنظيمات على العمل الثقافي وتبعية المثقف للسلطة ونموذج «موظف منظمة التحرير». هذا النموذج الذي صار بعد أوسلو «موظف السلطة»، أكثر مما في الأمر نوستالجيا من أي نوع. وفي رام الله، يبدو الفرع الثاني من الاتحاد في حالة موت سريري، بعدما مرّت على إغلاقه سنتان.
تأسّس «الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين» عام 1972 في بيروت، تحت جناح «منظمة التحرير الفلسطينية» وفي ظل «المقاومة الفلسطينية». هكذا، وشمته شعارات مثل «بالدم نكتب لفلسطين» وتنويعات على «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، فيما غابت عنه منذ البداية المعايير المهنية والنقابية، والأهم الاستقلالية.
انشق الاتحاد إلى اتحادين عام 1987 خلال ما عُرف بمؤتمر الجزائر: اتحاد مع ياسر عرفات رأسه محمود درويش، واتحاد آخر في الاتجاه المعاكس، أي فرع دمشق. وآخر مؤتمر له عقد في دمشق عام 1997 وظل الأمر راكداً حتى وصلنا لعام 2007. وشهدت هذه السنة مناوشات وتراشقاً كلامياً خلال الشهرين الماضيين حول «الاتحاد» و«المؤتمر الخامس» الذي جرى التلويح بعقده في دمشق لكنّه لم يعقد. إذاً، كل عشر سنوات، «يحدث» شيء في الاتحاد. وعليه، فالحركة القادمة ستكون في 2017. أي سيكون الكاتب المناوب في الخمسين من عمره وسيكون أصحاب البيت في «البيرة» وقد نجحوا في استرداد بيتهم «مقر الاتحاد» بحكم قضائي.
في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كانت استقطابات «مؤتمر أنابوليس» تلقي بظلالها على المتجمعين في دمشق، الذين بدا لقاؤهم موجهاً ضدّ «مؤتمر الخريف» ومناخ التسوية وفي إطار التنازع بين حركة حماس و«القيادة» بلافتاتها الثلاث المتداخلات: «منظمة التحرير» و«السلطة الفلسطينية» و«حركة فتح». ولا سيّما أنّ «مؤسسة فلسطين للثقافة» المحسوبة على حركة حماس، هي التي شاركت اتحاد الكتاب الفلسطينيين في دمشق بإقامة ما سمّوه «ملتقى الكتاب الفلسطينيين والعرب». والعنوان الأساسي لذلك الملتقى كان «بحث موضوع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية» لا الهموم الكتابية أو النقابية أو حتى الهموم الوطنية وفق رؤيا فكرية تتجاوز الذهنية الفصائلية. وقتها، استنفر الكاتب رشاد أبو شاور و«دبّ الصوت» في رسالة مفتوحة لأن اتحاد الكتّاب الفلسطينيين يُسيَّر من «مؤسسة فلسطين للثقافة». واستهول الأمر كأنّ الاتحاد (هناك شبه إجماع على وصفه بالجثة) جميلة الجميلات صاحبة الصون والعفاف، التي تحاول جهات مريبة استمالتها وإغواءها! بدا الأمر مبالغاً فيه، فمن غير المعقول أن نتقاتل على جمال سيقان جثة!
في الخلاصة، يعاني اتحاد الكتاب خللاً بنيوياً مستعصياً على الإصلاح، ويبدو قالباً مسكوناً بالأمراض يستحسن تركه. الأجدى استشراف حالة جديدة تفرز صيغ عمل جديدة. والأحرى الالتفات إلى أسئلة حقيقة تلبّي الحاجة إلى حراك ثقافي فلسطيني في ثلاث دوائر: دائرة الضفة الغربية وغزة مع دائرة فلسطين المحتلة عام 1948 مع دائرة الشتات الفلسطيني. ما نحتاج إليه هو حراك ثقافي يحرك هذه الدوائر الثلاث حتى يعمل «الموتور». وهو أمر مرتبط بالضرورة بحراك وطني (وفق مفاهيم حركة التحرر الوطني). فنحن الآن بلا حركة وطنية فلسطينية تقريباً ونكاد أن نكون بلا قيادة.
ولعل شاعراً مثل توفيق صائغ سيبتسم بمرارة في قبره، وفي باله مقطع كتبه ذات زمن وما زال راهناً: «كبرياؤنا؟ آه لا تهزأ.. وهل تذكر المومسات البكارة؟»!