strong>محمد محسن
يقفل المحل فيبدأ العمل. مفارقة «غريبة» تحكم ساعات الحضور على «درج الدومتكس» الشهير (الذي سُمّي كذلك نسبة للمحل الذي يتبع له)، والكائن في وسط شارع الحمرا. ربما استحصل هذا الدرج شهرته لأنه مقابل لمقهى الويمبي سابقاً، في وسط الشارع الأشهر في العاصمة، أو ربما لموقعه «الاستراتيجي» الكاشف على ثلاثة شوارع في الوقت نفسه.
مساحة ضيّقة تتسع لشباب و صبايا يجتمعون بشكل شبه يومي على درج «الدومتكس» لأغراض متعددة تتناسب وطبيعة المكان، الذي تحتل درجاته الأربع وترّاسه الذي يلتف نحو الشارع الآخر مجموعات من «الروّاد» اليوميين. منهم من يسعفه الدرج «كبديل من الجلوس في مطاعم الحمرا ومقاهيها»، وخاصة في أيام «الطفر»، ومنهم من «اعتاد الجلوس هناك ومراقبة الشارع وتحرّكاته». وفي بعض الأحيان يتطلّب الأمر «حجز» أماكن على الدرج والتخلّي عن ملاهي الحمرا ومقاهيها مقابل السيطرة على «الموقع» نفسه.
أصدقاء، عشاق، مجموعات أو حتى أفراد كبار في السنّ جعلوا من كل درجة نقطة التقاء لهم. «أشعر بحرية أكبر، فلا شيء يقيّدني في هذا المكان، أشعر بأنني مسيطر على الشارع بأكمله»، هكذا يقول مروان، أحد الشباب الذين يؤمّون الدرج للتمتع بأوقات مسلية، حرة، وغير مكلفة.
كثير من العمال يستغلون موقع الدرج أيضاً، و«يستوطنونه» دورياً، لأخذ قيلولة بعد نهار عمل طويل، أو حتى لممارسة أعمالهم بين ماسحي الأحذية وبائعي اليانصيب، وصولاً إلى المتسوّلين.
وقبل حلول موعد الليل بقليل يخرج الكثيرون من موظفي المحالّ والمؤسسات المنتشرة على طول الشارع لاحتساء فنجان قهوة على «الدومتكس»، في جوّ تختصره رومانسية حمراء تتداخل مع صخب أبواق السيارات، وفيما يتحدّث البعض عن مغامرات يومه يبدأ البعض الآخر بوضع لائحة العشاء المرتقب أو مشاريع السهرة. وفي معظم الأحيان يكون العشاء على الدرج نفسه، حيث يأتي البعض بسندويشات ومشروبات على أنواعها من المطاعم القريبة.
حتى الآن لم تصل عدوى الشركات الأمنية التي «تحرس» المحالّ التجارية الكبرى إلى «الدومتكس»، ويتمنى الكثيرون من روّاد الدرج التابع له أن يظل بعيداً عن هذا الجو والبعض يقترح قائلاً «نحن نحميه»! خشية ان تتمترس عناصر أمن خاصة هناك فتحرم الروّاد ممّا بقي لهم من مساحة حرة في عاصمة باتت مقفلة وسجينة أمنها الذاتي.
وفي النهار قد يتحوّل ذلك الموقع الى «منبر» تستغلّه بعض الجمعيات الأهلية من مدنية وبيئية واجتماعية وحتى السياسية منها، لإقامة تظاهرات أو تجمعات، وغالباً ما تسمع أصواتاً ترتفع من هناك أو موسيقى وغناء ولافتات تعلو، لعلّ الصوت يصل إلى جميع المارة في هذا الشارع المكتظ.
يخفت نور الشمس، معلناً بدء عصرونية أو سهرة من العمر، المكان: أربع درجات رخامية، الزمان: لا يهمّ، ما دام الشباب حاضرين، يسهرون على الدرج وروّاده فيخلقون جوّهم الخاص الذي لا تحكمه أية صفة أو لائحة طعام أو فاتورة...
ما زال الدرج يفتح ذراعيه لجميع الناس على اختلافاتهم وخلافاتهم الكثيرة. فهل يبقى لأجيال؟