بيار أبي صعب
حين تقرأ تفاصيل الدعوى التي أقامها فخري كريم ضدّ سماح إدريس، بتهمة القدح والذم، بسبب افتتاحيّة قديمة لمجلة «الآداب» البيروتيّة (العدد 5/6)، تفكّر لوهلة برواية شهيرة للكاتب الألماني الراحل هينرش بُل، نقلها فولكر شلوندورف ومارغريت فون تروتا إلى الشاشة أواسط السبعينيات: «شرف كاتارينا بلوم الضائع».
بطلة بُل مواطنة عاديّة افتــرت عليهـــــا الصحافة، ونسبت إليها ماضياً قذراً هي منه براء. وصاحب «دار المدى» الذي نشط طويلاً انطلاقاً من سوريا، قبل أن يعود إلى العراق ـــــ إقليم كردستان تحديداً ـــــ يبدو، حسب الدعوى التي تبلّغها رئيس تحرير «الآداب»، تلك الشخصيّة البريئة التي مرّغ شرفها في الوحل. لكن إذا كانت كاترينا بلوم إنسانة محايدة وبريئة، فإن فخري كريم رجل منخرط في مشروع سياسي واضح الأبعاد والأهداف، بغضّ النظر عن «كتابه للجميع» ومنشورات «المدى» القيّمة. ومن حقّ الناس أن تساجله، وتهاجمه، وتتهمه، عند الحدود الواهية بين الثقافي والسياسي... ومن حقّه أن يردّ مدافعاً عن تاريخه وأفكاره. أما اللجوء إلى المحكمة، فاستراتيجيّة مفاجئة، ومبادرة تريد أن تمنع السجال حول قضايا ملحّة ومصيريّة لا تحتمل أيّة مساومة.
لقد استند إدريس الابن إلى تقارير ووثائق. وكتب، بأسلوبه النقدي المعهود، يساجل مثقفين وإعلاميين عرباً وقعوا في مصيدة «مهرجان المدى الثقافي الخامس» الذي أقيم الربيع الماضي في أربيل، تحت عباءة محمد مهدي الجواهري (المستباحة؟). وغمز إلى تاريخ فخري كريم، وخطورة موقعه السياسي الحالي. وهاجم مشروعه الملتبس، والمقلق...
فهل نكتب دفاعاً عن حقّ مثقف شجاع في انتقاد مهرجان ترويجي على الطريقة الصدّاميّة، لكن بأدوات وشعارات أكثر عصريّة؟ شعارات يختبئ خلفها شبح تقسيم العراق، وتمجيد الاحتلال الاميركي، أو التبرير له في أفضل الحالات: ألم يحمل الديموقراطيّة إلى... أربيل؟