محمد عبد الرحمن
بينما شُغلت أفلام الأضحى بمهاجمة رجال الشرطة، غرّد عملٌ واحد خارج السرب: إنّه «جوبا» الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة. لكنّ الشريط الذي استُقبل بحفاوة، سرعان ما خيّب الآمال... متى تتخلّى سينما الشباب عن الإبهار والمطاردات الخيالية؟

أحدثت نهاية فيلم «جوبا» لمصطفى شعبان، ردود فعل متباينة لدى جمهور موسم الأضحى، ليس فقط لأنّه تناول قضية المقاومة الفلسطينية، بعد تراجع الاهتمام بها في الشارع المصري، بل لأنّ الشريط أفرد للقضية مساحةً غير مسبوقة في سينما الشباب، طيلة السنوات العشر الأخيرة. أضف إلى ذلك أنّه جعل البطل المصري ينخرط في صفوف المقاومة، على عكس ما جرى في الأفلام السابقة التي اكتفت بالتلميح إلى الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي، بشكل أو بآخر. لكنّ هذه المقدمة لا تعني أننا نشاهد فيلماً وطنياً، يحاول تذكير جمهور الشباب بقضية ما زالت معلّقة، بعد تراجع الاهتمام بها في الشارع المصري نتيجة الأزمات الداخلية. إضافة إلى الانطباعات السلبية التي تركها الصراع الفلسطيني ـــــ الفلسطيني في الناس. «جوبا» ليس فيلماً وطنياً، لكنه أعاد القضية التاريخية إلى الواجهة، كما ذكّر الجمهور بالشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس». إذ ظهرت صورته واضحة في أحد المشاهد، فيما غاب الحديث عن ياسر عرفات ومنظمة «فتح». علماً أن الشريط لم يوضح هوية المقاومين الذين انضم إليهم البطل يوسف، اللهمّ إلا صورة أحمد ياسين.
يروي الفيلم قصّة مصور مصري، أقام سبع سنوات في تركيا، هارباً من مصر حيث فضح أحد المسؤولين، وباتت حياته مهددة. بعد ذلك، يلتقي بريم الفلسطينية (داليا البحيري)، فيما تبقى جنسية صديقه رشيد (أحمد عبد الغني) مجهولة. وبعد تفاصيل متداخلة، يعرف الجمهور أنّ ريم ورشيد ينتميان إلى خليّة فلسطينية تهتم بتهريب السلاح إلى المقاومة. وبعدما يلقى الاثنان حتفهما على يدّ الموساد، توكل إلى يوسف مهمة الذهاب إلى رام الله، لإيصال معلومات عن جواسيس فلسطينين، اندسوا في صفوف المقاومة. وهناك، يجد نفسه يطارد الإسرائيليين، ويحمي الشيخ سليمان العابد (غسان مسعود) من الاغتيال. وبعد انتهاء المهمة، يرفض مغادرة الأراضي الفلسطينية، ليعمل قناصاً ومصوراً، يلتقط الصور لعمليات قتل الجنود الإسرائيليين، ويرسلها عبر البلوتوث إلى المجاهدين، حتى يشحذ هممهم.
لكن، على رغم كلّ ما سبق، لم يزد الشريط من الحماسة الوطنية، بخلاف أفلام أخرى اقتربت من القضية مثل «أصحاب ولا بيزنس» لمصطفى قمر... لماذا؟ قد تعود الإجابة أولاً إلى دعاية الفيلم التي حرصت على التغطية على المضمون، من أجل مزيد من التشويق. حتى إن الصحف ذكرت مراراً أنّ «جوبا» يدور حول مصور باباراتزي، كان بطلاً ضمن القوات المصرية في الصومال. إلّا أن مغامرات جوبا الذي يعني «التمساح القناص» في الصومال، لم ترد إلّا على لسان البطل في مشهد واحد، برّر فيه اسم الشهرة الذي التصق به.
أمّا السبب الثاني في إخفاق الفيلم، فيعود إلى أنّ صنّاعه لم يقنعوا الجمهور بأنهم مهتمون فعلاً بفلسطين، فالنقص الذي يطبع هذه النوعية من الأفلام هو اهتمامها بالشكل على حساب المضمون. إذ ينكبّ المخرج على رصد المطاردات والمفاجآت. هكذا مثلاً، ضجّ «جوبا» بمشاهد مبالغ فيها مثل شجاعة البطل الذي قتل عدداً من الإسرائيليين خلال أيامه الأولى في رام الله. كذلك بالنسبة إلى رشيد، إذ نكتشف أنه لم يمُت شهيداً، لكنه خان المقاومة حتى يجبر جوبا على الذهاب إلى رام الله. وهكذا أطل الشريط مبالغاً به، بخلاف أفلام الثمانينيات التي اعتُبرت حافزاً لاستمرار المقاومة ولو على الشاشة، ووسيلة تذكّر الشارع العربي بأنّ أزمة فلسطين لم تنتهِ بعد.
لذا، يبقى فيلم «أصحاب ولا بيزنس» الذي أنتج عام 2001، الأقرب إلى جمهور الشباب المهتمّ بأزمة فلسطين، لكونه قدّم عملية استشهادية للمرة الأولى على الشاشة. فيما اكتفت باقي الأفلام بإشارات بسيطة، آخرها كان «السفارة في العمارة» الذي صوّر جنازة طفل شهيد في الأراضي المحتلّة. إضافة إلى أفلام محمد هنيدي التي حرص فيها على حرق العلم الإسرائيلي، كما في «عندليب الدقي» أو رمي الحجارة على جنود الاحتلال في «جاءنا البيان التالي». فيما تضمّن «سيد العاطفي» لتامر حسني تظاهرة ضد التطبيع الزراعي مع إسرائيل. أمّا الفيلم الوحيد الذي أعطى للشخصية الفلسطينية دور البطولة، فكان «بركان الغضب» الذي لم يحقق أي نجاح في دور العرض، بسبب افتقاره إلى الصدقية، وتركيزه على العلاقات العاطفية، واعتماده على ممثل مغمور آنذاك، هو تامر هجرس. بقي أن نذكر أن اهتمام «جوبا» بالقضية الفلسطينية، سار في الاتجاه المعاكس لانشغال المنتجين المتزايد بأزمة العراق. وفيما يواصل المخرج عادل أديب تصوير «ليلة البيبي دول» الذي يستعيد فضيحة سجن «أبو غريب»، أشار فيلم «حين ميسرة» إلى تزايد ظاهرة العشوائيات بدءاً بحرب الخليج عام 1990 حتى سقوط بغداد عام 2003. أما في التلفزيون، فقد أطل العراق في مسلسل «أولاد الليل»، فيما ظهرت اسرائيل في «نقطة نظام» الذي أعاد فتح ملف الأسرى المصريين في حرب 67، من دون إشارة واضحة إلى الأزمة الفلسطينية.