strong> بيسان طي
«معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» لم يخذل جمهوره في دورته الـ 51، أُقيم في موعده السنوي رغم الظروف السياسية في لبنان، لكن الجمهور هو الذي خذل المعرض.
عميد المعارض العربية كان موعداً للاحتفال، بل مهرجاناً ثقافياً على مدى خمسين عاماً. حيثما حط رحاله كان الجمهور وفيّاً له: في الجامعة الأميركية أو الأونيسكو، أو في القاعة الزجاجيّة التابعة لوزارة السياحة.... وحتى خلال الحرب الأهلية حين منعت خطوط التماس إمكانات اللقاء بين اللبنانيين، فهي لم تمنع عشرات الآلاف من اجتياز المعابر لبلوغ المعرض.
لكن هذا العام تغيرت الصورة، وكثرت شكاوى ممثلي دور النشر. علماً أنّه أعلن عن مشاركة 150 دار نشر لبنانية وعربية وأجنبيّة، إضافة إلى المعهد الثقافي الإيطالي. من دون أن ننسى الجناح الذي خصّص لمعرض فرانكفورت. كذلك شاركت السفارة الفرنسية في جناح لوزارة الثقافة اللبنانية، فيما خُصصت مساحة من المعرض للعب الأطفال.
في الـ«بيال» وسط بيروت، تُختتم اليوم هذه الدورة من المعرض، وقد أتت بعد مرور ستة أشهر فقط على الدورة الخمسين التي تأخرت، كما هو معروف، عن موعدها. في الأيام الأولى، كان الحضور ضعيفاً جداً، وازداد نوعاً ما في الأيام الأخيرة، لكن المتجوّل في أروقته صباحاً كان بوسعه أن يرى عشرات المندوبين الجالسين وحدهم في انتظار أن يطل أخيراً زبون ما. بعضهم قال إنّ كثرة المعارض التي أُقيمت هذا العام (أربعة في بيروت وضواحيها) أضعفت الدورة، فيما رأى آخرون أنّ تزامن المعرض مع ثلاثة أعياد أثّر سلباً في حركة المبيع.
مندوبة شركة المطبوعات للتوزيع والنشر لفتت إلى أنّ الجمهور كان يتدافع بالمئات لحضور جلسات توقيع الكتب، فيما لم يأت هذا العام إلاّ العشرات، للقاء لكبار الكتاب والسياسيين. وأضافت: «على قائمة أفضل مبيعات الدار، هناك دائماً روايات باولو كويلو المعرّبة. في الدورات السابقة، كنا نأتي يومياً بأعداد هائلة من النسخ الجديدة. هذا العام لم نبع من كتبه إلاّ نسخاً قليلة». هذا المثال كان برأيها أفضل توصيف لـ«سوء الحال». العبارة يوضحها ممثلور دور نشر أخرى، إذ يتحدثون بوضوح عن «الخسائر التي يتكبدها أصحاب الدور»، لافتين إلى أنّهم دفعوا آلاف الدولارات للمشاركة في المعرض، ولم يبيعوا إلاّ القليل من الكتب.
مسؤول في دار نشر لبنانيّة طلب عدم ذكر اسمه، يرى أنّه صار لكل طائفة معرض كتاب! لكن زميلاً له يذهب أبعد من ذلك: «لقد طالبنا إدارة النادي بتأجيل موعد هذه الدورة، لكنّنا ووجهنا برفض قاطع. لماذا برأيك؟ ما سرّ الإصرار على هذا التوقيت؟ أعتقد أنّه توقيت سياسي. لا بدّ لفؤاد السنيورة من أن يكون هو الراعي... هناك فريق سياسي يتاجر بواجهته الحضاريّة المنفتحة! من يعرف أية مفاجآت تخبئها لنا التطوّرات السياسيّة؟».
هذا الكلام رد عليه مدير المعرض الدكتور عدنان حمود بغضب، نافياً الاتهامات جملة وتفصيلاً: «في بوستر المعرض كتبنا أنه يُقام في رعاية رئيس مجلس الوزراء، ولم نذكر اسمه». ويرد ذلك إلى أنه كان من الممكن أن يتغير رئيس الوزراء لو انتخب رئيس للجمهورية. ويرى حمود أن تراجع الإقبال على المعرض هذا العام سببه الأوضاع السياسية المتوترة، والاقتصادية المتردية... مذكراً بأن اغتيال العميد فرنسوا الحاج وقع قبيل الافتتاح. لكنّه أضاف أنّ الإقبال ازداد في الأيام الأخيرة، و«عدد الزوار كان الأكبر في أيام العيد». وقال إنّ إدارة النادي أصرّت على إقامة المعرض في موعده، «وبمن حضر، فمَن يضمن أن تُحل الأزمة السياسية قريباً؟». وأكد أنّ هذا المعرض هو «الوحيد الذي يُعد تظاهرة ثقافية وليس سوقاً تجارية»، لافتاً إلى أنّ رسالة وُجِّهت لأصحاب دور النشر قبل ستة أشهر، لإبلاغهم بموعد هذه الدورة وبأنها تتزامن مع فترة الأعياد... وقد وقعوا على طلبات الاشتراك قبل فترة، مضيفاً أنّ دور النشر كانت تحقق أرباحاً كبيرة في الدورات السابقة، «ولا أعتقد أنّهم خسروا هذه السنة».
ستة أشهر فقط مرت منذ أقيمت الدورة الأخيرة للمعرض، لذلك لم يكن عدد الكتب الجديدة كبيراً، وهذه السنة أيضاً طغت الكتب الدينية والكتب المتعلقة بالأحداث اللبنانية والعالمية، العراق والولايات المتحدة، وغابت الكتب والمنشورات عن حرب تموز. ومثل العادة في السنوات الأخيرة، كثرت كتب الأبراج والموائد والطبخ والتجميل. واللافت أن هذه الكتب تُباع بأسعار مرتفعة. وسألت باحثة جامعيّة أمام أحد الأجنحة الخاصة بالكتب الاستهلاكيّة: «هل يُعقل أن يزيد سعر كتاب الجمال على سعر موسوعة الدكتور عبد الوهاب المسيري «اليهود واليهودية والصهيونية؟».
أسئلة كثيرة ترافق زائر المعرض، قد يحزن المرء وهو يتأمل أجنحة فارغة. لكنّ المعرض كان محطة ضرورية، فالدور المهمة تعرف أنه من أفضل المواسم للتعريف بإصداراتها. وعلى رغم قلّة الإصدارات الجديدة، فإنّ العناوين المميزة لم تنقطع عن رفوف «الآداب» و«النهار» و«الريس» و«الفارابي» و«الساقي» وغيرها. والبرنامج الثقافي الذي رافق المعرض كان غنياً. فإلى العناوين السياسية أُقيمت ندوات عن نزار قباني ونازك الملائكة والروائية ليلى عسيران.
ثمة حيوية في معرض بيروت القادر على جمع التناقضات والأضداد. خلاله وفي فضائه يستمع المرء إلى آراء مختلفة. في اليوم الثالث مثلاً، كان تكريم شفيق الحوت. وقف هذا المناضل الفلسطيني يغالب تأثره ويستعيد بصوت مجلجل قصيدة توفيق زياد «كأننا عشرون مستحيل في اللد والرملة والجليل»... على بعد أمتار فقط، كان النائب غسان تويني يخص الجمهور بأحدث اكتشافاته معلناً على مسمع الكاتب إلياس خوري، وفي ندوة عن الراحل سمير قصير، أن اليسار «تحفة تاريخية»!