حسين بن حمزة

في بيروت التي تعيش حالة استنفار وترقّب على حافة البركان، تعاملت الثقافة مع السياسة بصفته واقعاً قائماً، فكسبت في بعض المواقع وخسرت في بعضها الآخر. «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» أقيم في موعده، فيما غابت مهرجانات بعلبك وبيت الدين للعام الثاني على التوالي. وأقيمت الدورة السابعة من «مهرجان بيروت السينمائي الدولي» والدورة الرابعة عشرة لمهرجان السينما الأوروبية. فيلم برهان علوية «خلص» وصل أخيراً بعد طول انتظار وعوائق (جائزتا أفضل سيناريو وتصوير في مهرجان دبي السينمائي). ونزل فيلم فيليب عرقتنجي «تحت القصف» (المهر الذهبي في دبي) إلى الصالات ليطرح نقاشاً من نوع آخر... وفاز فيلم «مجرد رائحة» للزميل ماهر أبي سمرا بالجائزة الأولى للأفلام الوثائقية في مهرجان لايبزغ الدولي للأفلام الوثائقية الذي أقيم في ألمانيا. وأقامت جمعية «أشكال ألوان» التي تديرها كريستين طعمة مهرجان «فيديو أفريل» في مسرح «المدينة»، وشارك فيه عدد من السينمائيين بينهم غسان سلهب ومحمود حجيج وماهر أبي سمرا. وأقامت جمعية «أمم للتوثيق والأبحاث» التي يديرها لقمان سليم ومونيكا برغمان معرض «بحثاً عن الضاحية» الذي اقترح، عقب حرب تموز والدمار الذي ألحقته بالمقومات المعمارية والاجتماعية فيها، وضع التاريخ القديم للضاحية في مواجهة صورتها الراهنة.
وافتقد الجمهور اللبناني العروض المسرحيّة العربية والأجنبية، وتضاءلت العروض اللبنانية المحلية. في المقابل، شهد العام افتتاح مسرح «بابل» للعراقي جواد الأسدي، وبدأ أول عروضه «نساء الساكسوفون» عن نص لوركا الشهير «بيت برناردا ألبا». وأقيمت على مسرح «المدينة» عروض «ملتقى الخريف» للرقص الذي تنظمه فرقة «مقامات» للرقص المعاصر بإدارة عمر راجح. واستقبل مسرح «المدينة» المحطة اللبنانية من الدورة الخامسة لمهرجان «نقاط لقاء» الذي تضمن عروضاً مسرحية وتعبيرية وسينمائية وتجهيزية عربية وأجنبية. ومن الأعمال التي تبقى في سجلّ العام: مونودراما رفيق علي أحمد «جرصة»، عرض لينا صانع «الزايدة»، ومسرحيّة ربيع مروة الإشكاليّة «كم تمنت نانسي أن ما حدث ليس سوى كذبة نيسان» التي انتزعت إذن الرقابة انتزاعاً. ولا بد من اشارة إلى «صفحة 7» للثنائي المميز عصام بو خالد وفادي أبي سمرا، و«حمام عمومي» لعايدة صبرا. ويختتم العام مع استعراض جديد لفرقة «كركلا» بعنوان «فرسان القمر» (ابتداء من السبت 29 ك1/ ديسمبر).
أما الشعر الذي تتجنبه دور النشر، فعاش واحدة من أفضل سنواته. «دار النهضة» واصلت مشروعها الشعري الكبير الذي يحتضن عشرات الاصدارات لشعراء لبنانيين وعرب من أجيال مختلفة. وأعاد المشروع لبيروت جزءاً من دورها مختبراً شعرياً، جاعلاً من 2007 عام الطفرة الشعرية بامتياز: من المغربي محمد بنيس إلى العراقي سركون بولص الذي استكمل تجربته في هذه المدينة ومضى، مروراً بالمصري عبد المنعم رمضان الذي تدين قصيدته بالكثير إلى بيروت... وأنشأت دار «رياض الريس» سلسلة «الكوكب» المخصصة للإصدارات الأدبية والشعرية الجديدة. وواصلت «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» مشروع «الأعمال الكاملة»، فأصدرت الأعمال الشعرية لعباس بيضون وسليم بركات ونوري الجراح وغيرهم. وأصدرت دار «الساقي» ثمانية دواوين لشعراء عراقيين بالتعاون مع مجلة «ديوان» التي تديرها الشاعرة العراقية أمل الجبوري.
على مستوى الشعر اللبناني، كانت الغلّة وفيرة أيضاً: شوقي أبي شقرا وعباس بيضون ومحمد علي شمس الدين وجودت فخر الدين وصباح زوين وشوقي بزيع والياس لحود وعبده وازن ويحيى جابر وأمال نوار وعناية جابر واسكندر حبش وجوزف عيساوي وجمانة حداد وجوزف حرب وناظم السيد وغسان جواد ومحمد بركات وزينب عساف وفادي طفيلي وزاهي وهبي...
كذلك شهد العام روايات جديدة لالياس خوري ورجاء نعمه وربيع جابر ورينيه الحايك وسامر أبو هواش وشربل داغر وإلهام منصور. وصدرت ترجمات بالفرنسية والإنكليزية والألمانية لحسن داوود ورشيد الضعيف ومحمد أبي سمرا وإيمان حميدان يونس وعلوية صبح... وفاز الياس خوري بجائزة العويس عن مجمل أعماله الروائية، كذلك فاز بالجائزة في المجالات الأخرى: يوسف الشاروني (مصر) ومحمد بنيس وعبد الفتاح كيليطو... وكان الأدب اللبناني ضيفاً على فرنسا ضمن تظاهرة Les Belles Etrangères التي أثارت نقاشاً واسعاً حول الخلفيّات «السياسيّة» و«الذاتيّة» التي تحكّمت في آليات اختيار الكتاب المشاركين، وحول طريقة تقديم الأدب اللبناني، والراهن السياسي اللبناني في فرنسا.
بيروت مدينة عصية على التدجين، إذا نظرنا إلى الحركة الثقافية غير الاعتيادية التي شهدتها خلال العام المنصرم، رغم الظروف القاسية. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن المدينة لم تشهد هذا الكم والنوع من الفعاليات الثقافية في بعض سنواتها العادية. ولعل سؤالاً ملحاً يطرح نفسه هنا: كيف تكون الثقافة ممكنة في وقت يكاد يكون فيه الوطن كحاضن وبيئة لهذه الثقافة غير ممكن؟