سوريا

خليل صويلح

وصف أسعد عرابي في معرضه الأخير دمشق بـ«المدينة السلحفاة»، وهو أفضل تعبير عن ندرة الحراك الثقافي. هذه المدينة التي تستعدّ لتكون «عاصمة الثقافة العربية» لعام 2008 (ستستقبل ضمن فعالياتها فيروز بعد غياب نحو 30 سنة بعرض «صحّ النوم» والمفكّر الاميركي نعوم تشومسكي والكاتب التشيكي كونديرا) باتت على شفير هاوية ثقافية، بسبب غياب المبادرات الرسمية في خلخلة المفهوم التقليدي للثقافة بوصفها إبداعاً متجدداً. عناوين مثيرة لمهرجانات وندوات وتكريمات، لكنّ فحصاً دقيقاً سيكشف عطالة مزمنة في الخيال الثقافي الرسمي. هكذا عبرت الندوات التي أقامتها وزارة الثقافة في تكريم حنا مينة وشوقي بغدادي ومحمد الفراتي وياسين رفاعية وسلامة عبيد بلا اهتمام. وعلّق بعضهم على الندوات بأنها «مقبرة جماعية للموتى والأحياء». ولعل الرهان يتمثل في المبادرات الأهلية وثقافة الأطراف، فلا يمكن نكران ما حققته مهرجانات مثل «مهرجان جبلة الثقافي» الذي تقيمه «جمعية العاديات» برعاية مباشرة من أدونيس. استضاف المهرجان في دورته الثالثة مبدعين عرباً مثل نصير شمة وخيري بشارة وواسيني الأعرج وعبد المنعم رمضان. كذلك مهرجان «السنديان» و«مهرجان العجيلي الثالث للرواية».
لكنّ العنوان الأساسي للثقافة السورية هذا العام كان تشكيلياً بامتياز، خصوصاً بعد تأسيس غاليريهات ضخمة مثل «غاليري أيام»، و«غاليري آرت هاوس» اللتين وضعتا التشكيل السوري في الواجهة، وإذا بثمن اللوحة يبلغ 40 ألف دولار كما في معرض أسعد عرابي، إضافة إلى معارض لأبرز أسماء المحترف السوري: يوسف عبدلكي، وأحمد معلا، ونزار صابور، وسبهان آدم، ومصطفى علي، وسارة شمة. كما استضافت بلدة مشتى الحلو «ملتقى النحت الثاني» بمشاركة نحاتين عالميين وبجهود فردية من الفنان فارس الحلو. وأطلق النحّات مصطفى علي مؤسسة أهلية بعنوان «مكان» في حارة اليهود في دمشق، استقطبت 15 تشكيلياً سورياً في محترفات متجاورة، وهو ما أضفى حيوية ثقافية استثنائية. وفي أحد الأحياء الشعبية، أطلقت الممثلة مي سكاف فضاء أهلياً بعنوان «تياترو» لفنون الأداء، استضاف أمسيات مسرحية وموسيقية وغنائية لافتة لجهة إبراز الطاقات الشابة. وبعد تعثّر، عادت فرقة «مسرح الرصيف» التي يديرها المسرحي التونسي حكيم مرزوقي بعرض «بساط أحمدي». ومن العروض التي شهدها العام «شوكولا» لرغدة شعراني، الذي حاز جائزة أفضل عرض في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي و«وعكة عابرة» للمخرج فايز قزق.
أما المؤسسة العامة للسينما فظلّت تراوح مكانها، منتجةً فيلمين فقط هما «خارج التغطية» لعبد اللطيف عبد الحميد الذي حاز الجائزة البرونزية لمهرجان دمشق السينمائي و«الهوية» لغسان شميط.
الاحتفاء بتأسيس «الهيئة العامة للكتاب» لم يكن في مكانه ولم يتمكن مديرها عبد النبي أصطيف من إطلاق مشاريع نشر كبرى، بل اقترح عناوين مدرسية مثل «وطننا الكبير» و«كيف تعتني بجسمك»، ما أثار استهجان الوسط الثقافي واتهمه بعضهم بأنه «صاحب الأدراج المقفلة» لامتناعه الإفراج عن مئات المخطوطات المتراكمة. وكانت مديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة التي حلت مكانها «الهيئة العامة للكتاب» قد نشرت بعض الكتب المهمة، مثل الأعمال الكاملة للشاعرة الراحلة سنية صالح والأعمال الكاملة للقاص الراحل حسيب كيالي. وقدّمت «دار أميسا» الأعمال الممنوعة للشاعر منذر مصري. ومن العناوين اللافتة في «دار كنعان» ديوان الشاعرة الإغريقية سافو الذي ترجمه إلى العربية الطاهر رياض. أما «دار ممدوح عدوان» فنشرت مختارات للشاعر أمجد ناصر بعنوان «وحيداً كذئب الفرزدق» وأطلقت «دار قدمس» سلسلة «ولّادة» للأدب النسائي. كذلك حاز الشاعر عادل محمود «جائزة مجلة دبي للرواية» عن روايته الأولى «إلى الأبد ويوم».