فلسطين

نجوان درويش

ماذا جرى هذا العام في فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر؟ تبدو الإجابة إحصاءً لـ«نوازل» سياسية، أكثر مما هي استعادة لإنتاج ثقافي. ثمّة قليل من الضوء في المشهد الثقافي لعام 2007، وخصوصاً في ما يتعلق بالتصدّي لمشاريع التطبيع الثقافي. ويبدو 2007 الأعلى صوتاً بين الأعوام السابقة في نقد هذه المشاريع، وإعطائها وصفها الصحيح: علاقة مع جلاد يريد شهادة حسن سلوك من ضحيته.
ولعلّها المرة الأولى التي تنجح فيها لجان «المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل» في إفشال مهرجان غنائي كما حدث مع مهرجان «صوت واحد» الذي كان سيقام في تل أبيب وأريحا بميزانية ضخمة. كذلك، أصدر الفنانون التشكيليون بياناً ضدّ معرض «40 سنة على الاحتلال» الذي أقيم في غربي القدس المحتلة وتل أبيب بين فنانين إسرائيليين وفلسطينيين، غافلاً عمر الاحتلال الذي بدأ عام 1948.
ولا يمكن استعادة العام من دون تأمل ما جرى في غزة والشروخ التي أحدثها في الثقافة الوطنية. ولأوّل مرة يصير الحديث عن «حرب أهلية» ذا صلة بالواقع. هكذا، برزت انحيازات بالجملة من المثقفين، رغم حالة لامبالاة عتيقة سيطرت على نسبة كبيرة من المشتغلين في الثقافة. تضامن علماني مع «حماس» من مثقفين في الخارج، وانحياز واضح ضد «حماس» من كتّاب في جريدة «الأيام» في رام الله. الشاعر محمود درويش وجد نفسه بين الطرفين المصطفين: أحدهما ينتقده بقسوة، والآخر يمجّده باعتباره أيقونة. درويش وقّع على بيان ضد «انقلاب حماس الهمجي» وأبدى انحيازاً إلى السلطة في رام الله. كما كتب مقالاً شعرياً بعنوان «أنت منذ الآن غيرك» (مستعيراً عنوان رواية تيسير سبول، الشاعر الأردني المنتحر، «أنت منذ اليوم»). وبدا مقاله المانيفيستو الثقافي لرفض الاقتتال الأهلي مع موقف واضح ضد حركة «حماس». في المقابل، أشعلت أمسية درويش في حيفا نقاشاً حاداً مع «شاعر الوطنية الفلسطينية» الذي بدا في نظر منتقديه كأنّه «يتخلى عن مشروع المقاومة».
كما شهد هذا العام الحملة الإسرائيلية على المفكر عزمي بشارة وخروجه إلى المنفى بعد أحداث دراماتيكية، وما يشبه المؤامرة التي حبكتها الأجهزة الإسرائيلية له. وبدا الرجل فارساً وحيداً على حصان كبريائه العربي، فيما كشفت المؤامرة عليه عن ضعف المثقفين الفلسطينيين في التضامن مع أحد أبرز ممثليهم.
ولا بد من التوقف عند الزوبعة التي أثارها إعلان القدس عاصمة ثقافية لعام 2009: إذ يبدو الخلاف على سبل إدارة الفعالية، والتشكيل الاعتباطي للجنتها التحضيرية، أهم الإنجازات الفلسطينية هذا العام!
وعلى مستوى الفعاليات، ثمة نشاط أفقي واسع للمؤسسات الأهلية الفلسطينية، بدعم أجنبي في الغالب، ما عزّز الملامح المعتادة لـ«الثقافة الرخوة». هكذا، شهدت السنة مهرجانات ومعارض وأيام سينمائية يطيب لأصحابها تسميتها مهرجانات سينما، وحتى مهرجانات عالمية! يشار طبعاً إلى أن «الأجانب»، من مؤسسات تمويل وسفارات وقنصليات، هم الرعاة الدائمون للفعاليات الثقافية... وجمهورها أيضاً في الغالب! وحين يتأمل المرء في الثقافة الفلسطينية، ويدرس ميكانيسمات هيمنة «المؤسسات الأهلية» عليها وعلى تمثيلها... سيلاحظ أن طروحات فرانز فانون راهنة بشكل عجيب، في لعبة الوجوه ــــ الأقنعة، واللاوجوه أيضاً!