تونس

سفيان الشورابي

نبالغ لو قلنا إنّ تونس شهدت حراكاً ثقافياً نشطاً هذا العام. فأكثر المبادرات كانت وليدة إرادة ذاتية، مصيرية، تقفز على جمود الواقع وجحود صانعي القرار. مسرحية «خمسون» للفاضل الجعايبي مثّلت حدث العام بامتياز. عمل نادر الحدوث، وحّد الزمان والمكان في مساءلة النخب المثقفة عن مصير البلاد بعد خمسين عاماً على الاستقلال. عالجت المسرحية موضوع التطرف المتلبس بالدين، في مشهد نقدي تعرّض لمثقفي البلاط كما لمثقفي المعارضة، وكلّهم تحوّل إلى مثقّف السلطان. وجدت «خمسون» طريقها إلى الجمهور التونسي بعد نصف سنة من المنع، وتزامنت مع فيلم نوري بوزيد الجديد «آخر فيلم» (التانيت الذهبي في «أيّام قرطاج السينمائيّة») الذي يتعرّض للقضيّة الشائكة نفسها، من زوايا مختلفة: انتشار الأصولية في أوساط الشباب. وقد فُجعت السينما العربيّة برحيل المنتج أحمد بهاء الدين عطيّة الذي يعدّ من رموز السينما الجديدة في تونس... ومع ذلك ارتفعت وتيرة إنتاج الأفلام ببطء. إذ أنهى المخرج علي العبيدي تصوير شريطه «الساعة الأخيرة». كما أكمل الثنائي اللامع جليلة بكار والفاضل الجعايبي عملية تحويل مسرحيتهما «جنون» إلى فيلم. وعاد الفاضل الجزيري إلى السينما بإطلاق تصوير شريط «ثلاثون» الذي يتناول مسيرة المفكر الطاهر الحداد. كما حصل المخرج السينمائي عبد اللطيف كشيش على جائزة النقاد الدوليين في مهرجان البندقية لشريطه «أسرار الكسكس»، ثم بإحدى الجوائز الأساسيّة في دبيوواصل مهرجان «أيام قرطاج المسرحية» تراجعه في إدارة المخرج محمد إدريس، علماً أن هذا الموعد كان الأبرز عربياً منذ الثمانينات، وأطلق أهم تجارب المسرح الطليعي التونسي والعربي. جاءت دورة 2007 باهتة مقابل نجاح «مهرجان مدينة قربة الوطني لمسرح الهواة» في دورته الواحدة والثلاثين.
وعلى رغم تخفيف قبضة الرقابة على الإصدارات، فأزمة النشر ظلّت قائمة تتجسّد في ندرة الإصدارات والعناوين التي تنتظر الموافقة في أدراج الأجهزة الإدارية. أمّا المهرجانات الموسيقية، فاتسمت بهيمنة المسحة الاحتفالية التي تمكّنت من آخر معاقل الفن الجميل. «مهرجان قرطاج الدولي» واصلت إدارته «منح» خشبته لقناة «روتانا» لتحل علينا فنانات الفن «السريع والمعولم». وبرزت محطات غنائية سحبت البساط من مهرجان قرطاج مثل «مهرجان المدينة» الذي استقطب أصواتاً غنائية مغيبة مثل التونسي لطفي بوشناق وفرقة «ناس الغيوان» المغربية.
هل يمكن القول إنّنا نقلنا حصاداً متكاملاً للأنشطة الثقافية في تونس؟ الإجابة ستكون بالنفي طبعاً. أوّلاً لأنّه من غير المفيد سرد معظم التظاهرات التي غرق معظمها في نزعة محلية. وثانياً لأن الكم لا يفرز منتجاً نوعياً، في محيط تتداخل فيه الاعتبارات السياسية بآمال أصحاب المال في العيش من هذا القطاع. أولم توقّع الحكومة التونسية، وبالاشتراك مع البنك الدولي، اتفاقاً لتخصيص 72 مليون دولار لمشروع إحياء التراث الثقافي في تونس؟ لكن، ما فائدة كل ذلك؟