بيار أبي صعب
المشهد قاتم، والانهيارات متواصلة بنجاح كبير، في مختلف المجالات، الثقافي منها قبل سواه. والمشاريع الراديكاليّة، الانتحاريّة، تبدو الخلاص الوحيد في نظر الحشود المقهورة. لكن هذا التوصيف لا يكفي، بل لعلّه ـــــ لشدّة بداهته ـــــ يخفي الجانب الأهم من الحقيقة، ويتفادى طرح السؤال الأخطر، والأكثر إيلاماً وإحراجاً (وديناميّة): مَن المسؤول عن كلّ ذلك؟ أو بالأحرى: كيف تبدأ المواجهة ومن أين، إذا كانت هناك قناعة باقية بضرورة المواجهة وإمكانها؟
حين يكتب مثقف وأديب يساري اشتهر براديكاليّته، أن نجاح معرض الكتاب في بيروت ضرورة، لأنّه يردّ على الخطر الظلامي... نشعر بالرعب من هذا التعميم، وتلك التعمية! الكلام الذي يستند إلى بديهيّة مضجرة، يوحي أن هناك عدوّاً خطيراً في لبنان، يعمل في الخفاء على إفشال معرض الكتاب! هذا التعميم الغوغائي، جزء من الخطاب الايديولوجي الجديد. إنّه يحرّف الصراع الحقيقي (المطلوب) مع كل أشكال التزمّت والمحافظة، يقلبه إلى مواجهة فولكلوريّة بين «سلفيّة» مجرّدة، افتراضيّة، و«تنوير» مزعوم. تنوير «شيك»، لا يتجاوز غالباً الشعار الأجوف، المخادع، من القاهرة إلى تونس... ومن رام الله إلى بيروت. تنوير سلطوي، يقترح عمليّة تجميل للأنظمة القائمة (الفاسدة، المستبّدة، غير الشرعيّة، المستندة إلى أكثر البنى تخلّفاً ورجعيّة)، ويخلق ذرائع وتبريرات للخطاب السائد (الخيار الأميركي هو الطريق إلى التطوّر والحريّة، الديموقراطيّة والعلمانيّة).
إذا كان لا بدّ من التوقف عند عمل إبداعي واحد، يختصر عام 2007، فهو مسرحيّة «خمسون» التونسيّة، للثنائي الفاضل الجعايبي/ جليلة بكّار. لأنّه تحديداً يقوم بخطوة شجاعة ونزيهة، في التعاطي مع ما درج العرف على تسميته «التطرّف الإسلامي». تقوم المسرحيّة التي نأمل مشاهدتها في بيروت ودمشق والقاهرة والجزائر، على مواجهة بين الخطاب العلماني (خطاب جيل الاستقلال في تونس)، والردّة الدينيّة التي تقدّم إغراءات مقلقة إلى الجيل الجديد، المحبط والمقهور، الذي فقد كل نقاط الارتكاز النقديّة والعقلانيّة. هذه المواجهة ديناميّة وخصبة، تذهب في اتجاه الآخر، باحترام وتواضع. تحاول فهمه، ومساجلته بالحجّة والبرهان. الجعايبي يقول لنا إن هذا «الظلامي» هو صوت شعوبنا المهزومة والمحرومة، وإن الجلّاد الفعلي هو في مكان آخر.