نور خالد

من المؤكد أن سيمون أسمر سيستمرّ خلال 2008 في ابتكار تلوينات ترفيهية تلبّي الذوق «العربي» بالدرجة الأولى، وستقوم الفضائية اللبنانية بـ«هزّ» نواعمها أكثر على عتبات المعلِن الخليجي، خصوصاً بعد اندماجها مع «روتانا». ومن المؤكد أن «نيو تي في» الماضية في سياسة الـRebranding أو إعادة بناء علامتها التجارية، ستسعى إلى المنافسة بشراسة. وذلك بعدما تحوّلت إلى «الجديد» بنكهة «عربية». وإعلانياً تعني كلمة «عربية» خليجيةً وتحديداً سعودية، فسماء شمال أفريقيا لم تُمطر بعد.
«الجديد» ستقتحم السوق «العربية»، خصوصاً بعد مغادرة
«المايسترو» نيشان إلى معقل الترفيه الخليجي المتمثل بـmbc. هذه الشاشة التي كشفت هذا العام عن الرغبة الصاخبة لدى المشاهد العربي في العودة إلى جذوره الماضية، والترحُّم على «طربوش» باشاوات فاروق أو «شوارب» عناترة «باب الحارة»... عرفت «أم بي سي»، وسبقت غيرها في الافادة من هذه المعرفة التي تفيد بأن في ذروة الإحباط الاقتصادي والسياسي والجهل الثقافي الذي يعيشه المواطن العربي، لا شيء يؤثر فيه ويمتعه أكثر من رؤية قائد يبكي وامرأة ترتجف خلف الأبواب المغلقة. في زمن الإحباط، لا يرفع معنويات الشارع العربي غير بكاء القادة وقهر النساء. وقد اعتادت الميديا دوماً الإفادة جيداً من سيكولوجية متلقيها، والإسهام أيضاً في تصنيعها. الميديا تصنع الظاهرة وتستفيد منها. الميديا تعرف أنّ هناك مبلغ 5 مليارات دولار، هو حجم الكعكة الإعلانية التي في وسع الصحف والتلفزة أن تتقاسمها في العالم العربي. وهذا يؤلف 89 في المئة من الحجم الكلي للإنفاق الإعلاني الذي يأتي ضخّه الرئيسي من دول الخليج. وهذا يفسر أيضاً الولادات التي شهدها 2007 على مستوى بزوغ أسماء جديدة في عالم الجرائد أو لواقط الإرسال في عالم التلفزة الفضائية. الوسيطان التقليديان لا يزالان يهيمنان على المشهد الإعلامي في العالم العربي حيث الملوك والقادة ما زالوا غير متحمّسين لبث رسائلهم إلى الشعوب عبر «يو تيوب» أو مواقع الانترنت الأخرى، بخلاف التجربة البريطانية أخيراً، حيث هنأت الملكة شعبها بالعيد عبر youtube ... «كذب المدوّنون ولو صدقوا»، تلك هي القاعدة التي لا يزال المعلن يتعاطى من خلالها مع تجارب «كَتَبة الديجتال» الذين يستأثرون بمزيد من الانتباه الجماهيري، والاستخباري الأمني أيضاً. وهو ما يودي بهم مرات إلى سجن «الحضرة» في الإسكندرية، أو سجون أخرى في دمشق. وفي كل الأحوال، فإن «ربيع الانترنت» الذي هلّل له كثرٌ في العام الماضي، لم يُزهر بعد في سهول الإعلام العربي (أو صحاريه؟). ذلك أن الأرقام تفيد بأن 29 مليون دولار هو مجمل ما أنفقته فقط شركات الإعلانات (معظمها عابر للقارات وليس عربياً) على مواقع الانترنت الموجهة إلى العالم العربي. وإن كان هذا الرقم يمثّل نمواً مقداره 55 في المئة عن عام 2006، فإنه لا يعني أنه يمثّل خطراً حقيقياً، يسحب البساط من تحت الأقدام الثابتة للصحافة والتلفزيون. كيف لا يثبّت التلفزيون قدميه في الأرض، والتكتلات الإعلامية بدأت تظهر في عالمنا العربي، مع اندماج «أل بي سي» الفضائية و«روتانا»؟
لهواة النوع إذاً، فإن 2008 لن يكون عام الوسائط التكنولوجية، بل «الظواهر» الإعلامية التي تلبّي غرائز مفضوحة أو مكبوتة في دواخل المتلقّي العربي. ومن يشكك في كمية العنف المدفون في دواخلنا، عليه أن يغيّر رأيه فوراً، حين يطّلع على كشوف قياس الأداء الخاصة بـ«أم بي سي أكشن»، والتي تظهر نجاحات كبيرة. «الأكشن» مستمرّ بالتوهّج، ما دامت الطاقة السلبية التي تنتج من دخان التفجيرات أو كذب السياسيين أو حتى صوت دانا وشبيهاتها، تملأ سماواتنا من المحيط إلى الخليج. التخريف والدجل متألقان أيضاً، ما دامت بيروت وعمّان ماضيتين في فتح الأبواب لدكاكين الشعوذة التي تبيع منتجاتها في الفضاء، من دون حسيب أو رقيب. والترفيه «سيكسّر الدنيا»، ما دام المعلن يضع سوق الخليج على رأس أولوياته... وحده صوتُ العقل يبهت أكثر فأكثر، وقد ولّى الزمن الذي كان فيه الاعتقاد يتمثل بأنك قد تسمعه من أثير القنوات الفضائية الإخبارية العربية... بين «مناصري أسامة بن لادن» وفريق «وهابيّي ما بعد الحداثة»، لا تزال القنوات الإخبارية تمثّل، بمجملها، أبواقاً هي أبعد ما تكون عن إيصال... صوت العقل!