strong>بلال عبود
يمضي علي ( 25 سنة) أكثر من 6 ساعات يومياً على سطح منزله في منطقة البرج، يشرف خلال هذا الوقت على إدارة «كشّته» التي تضم حوالى 200 حمامة، وهي الهواية التي احترفها منذ كان في الثانية عشرة. «البداية كانت عندما قمت بشراء طائرين، لا أزال أذكرهما حتى اليوم». أمضى علي شهوراً يجمع المال من مصروفه اليومي ليتمكن من شرائهما. وضع «قنّاً» صغيراً على السطح، لكن ما لبثت أمه أن اكتشفته، وقررت أن تمنعه من تربية الطيور.
لم تنجح محاولات أم علي في منع ابنها من التعلّق بهذه الهواية التي «تطورت» عنده حتى أصبح اليوم واحداً من أهم الأسماء المعروفة بين «كشّاشي الحمام» في منطقته، بل إن شهرة الشاب طالت جميع المناطق التي يعيش فيها كشّاشو الحمام من الجناح والأوزاعي ووطى المصيطبة، وصولاً إلى حي السلّم والبرج.
«الاهتمام بالطيور يجلب المتاعب»، هكذا يصف «كابوريا» ـــــ وهو شاب يسكن في منطقة الجناح ويربّي الحمام منذ أكثر من عشر سنوات ـــــ«هوايته» التي ارتبط اسمه بها. فمحمد يطلق على كشّته اسم «كابوريا»، وقد تحوّل الاسم مع الوقت إلى لقب يلازمه، «حتى أهلي ينادونني بهذا اللقب».
ومن مشاكل تربية الحمام، التكلفة العالية لشراء الطيور، وتأمين الغذاء، والمحافظة على السرب من الضياع أو السرقة، «فليس كل من اشترى طيوراً أصبح مربي حمام»، كما يوضح «كابوريا» الذي يرى أن تربية 50 طيراً هي الحد الأدنى لأي «كشّة» ناجحة، كما يرى أن المتعة الأساسية في تربية الحمام هي عندما يطلق طيوره عالياً في السماء وكأنها تنافس الطائرات.
أما أكثر ما يزعج أهل «كابوريا» من هوايته تلك، السمعة التي اقترنت بتلك الهواية. فـ«شهادة الكشّاش لا تقبل في المحكمة، وقسَمَه دائماً كذب»، حسب المثل الشائع، وهو ما يدفع ذوي الشاب إلى مطالبته دائماً بالتخلي عن هوايته. النظرة الشعبية إلى مربّي الحمام تصنِّفهم دائماً بـ«أصحاب اليمين الكاذبة»، حتى أن بعض من يمارس هذه الهواية يفاخر بتصنيفه في خانة أصحاب المشاكل، «نحنا ما في معنا مزح وما بنخاف حدا» .الناس الذين يعيشون في جوار مربّي الحمام هم الأكثر تضرراً، بسبب الضجيج الدائم والتصفير الذي يقوم به صاحب الطيور وتساقط قطع الفاكهة على الأسطح ورؤوس الجيران التي يرميها الكشّاشون بمقاليعهم بهدف إجبار الحمام على التحليق.
«وجع الراس» الذي يأتي من تربية الحمام ليس سبباً كافياً ليمنع «كابوريا» ومنافسيه في المنطقة من الاستمرار في هذه الهواية التي قد تتحول إلى مهنة مؤقتة في بعض الظروف الخاصة، أو إذا قرر التخلّي عن هوايته عبر بيع كل العدة. بينما لا يهتم كثيرون إلاّ بما يمكن أن تحققه تربية الحمام من ربح مادي، هؤلاء هم «التجار» في نظر عشاق المهنة.
المنافسة لا تمنع اللقاء بين أبناء «الكار» الواحد في أماكن خاصة بهم، يتبادلون فيها الآراء بشأن الطريقة الأفضل لتربية كل منهم لمجموعته من الطيور، حيث يُستشار الأقدم في المجال في شأن نوعية الحبوب والطعام الأفضل للحمام وكيفية تقسيم الطيور في فترة التزاوج.
يحكم هذه الهواية العديد من الأعراف التي يقبلها من يمارسها ويرضى بأحكامها، مثل «التسقيط» أو إنزال حمامة شاردة من «كشّة» شخص آخر عبر محاصرتها بسرب، أو عبر جذب الطير إلى سطح معين تحت إغراء الطعام أو غوايات «الأنثى». توافر هذه الشروط يعني أن الاستحواذ على الطير شرعي ومقبول، ولا يمكن لصاحب الحمام «المسروق» أن يطالب به.
لا يقبل «كابوريا» بحصر هذه الهواية في فئة أو طبقة محددة، «هناك أطباء وضباط وزبائن من مختلف الطبقات الاجتماعية من الذين كنت أبيعهم الطيور وأساعدهم في إدارة مجموعتهم، وخاصة في فترة انتشار مرض أنفلونزا الطيور في العالم». يُصنّف الحمام وفق أسماء متعارف عليها بين الكشّاشين، وهي على غرابتها لا تختلف كثيراً بين منطقة وأخرى، منها ما يُستوحى من الشكل أو اللون، ومنها لأسباب لا أحد يعرفها فعلاً. ومن تلك الأسماء «البياض» و«اليهوديات»... أما بورصة الأسعار فتراوح بين العشرة آلاف ليرة و700 دولار كسعر لطير واحد في بعض الحالات.