فاروق حجي مصطفى
في كتابه “العبور إلى المستقبل: محطات في الدين والحياة والحب” (الأوائل للنشر والتوزيع ــ دمشق)، يبحث الكاتب السوري محمد الراشد عن أجوبة عن تساؤلات كثيرة شغلت الوطن العربي طوال القرن المنصرم. يبدأ الباحث بسؤال: “هل صحيح أنّنا أمة محكوم علينا بالإعدام؟” معتبراً أنّ مقولة “العرب متماسكون” تثير السخرية لدى العديد، لأن العرب اعتادوا العيش في التناقضات. يرفعون لواء التحرر ويدعون إلى التحديث والتطوير، لكنّهم بعيدون كل البعد عن أنساق التحديث، يطالبون بالحريات فيما تصادر السلطات الحاكمة الحريات العامة والخاصة. ويذهب الباحث الى اعتبار أنّ هذا السلوك تغلغل داخل النظام الاسري برمّته. فربّ العائلة وربّة العائلة والأولاد “يرفعون لواء الحرية ولافتات الديموقراطية خارج البيت ويجعلونها ترسف بالقيود داخله، مثلهم مثل السلطات السياسية والثقافية والدينية”.
كيف نتخلص من هذا التناقض؟ يجيب الراشد بأنّ العلاج يكون عبر تصحيح علاقة الدولة بمواطنيها أولاً. ويضيف أنّ الجيل العربي اليوم يعيش في حيرة من أمره وأنّه جيل متمرد حقاً “لكن يمكن اعتباره أنموذجاً احتجاجياً غير متوازن وغير معقلن. إنه شباب ينساق وراء أهوائه حيناً ويخضع طوعاً للأعراف السائدة حيناً آخر”.
يعرّج الباحث على دور المثقف ومطلب الديموقراطية وسؤال العولمة. ويسأل “من هو المثقف الحضاري؟”. ويجــــيب بأنه “ذلك الإنسان الواسع الاطلاع أولاً، والذي يــــحمل في دماغه عقلاً ناقداً ثانياً، والقادر عــلى تــــحقيق التوازن بين ما اطلع عليه وبين رؤيته النقدية وصولاً الى رؤية جديدة ثالثاً”.
وفي محور “العولمة”، يرى المؤلف أنّ العولمة شعار إنساني وحضاري “لو حقّقت حضورها على مستوى البعد الحقيقي للأصل اللغوي للكلمة، ولا سيما أنها تتطلع إلى تعميم الثقافة والتكنولوجيا والاقتصاد”.
لكن الراشد يرى العولمة “كلمة حق يراد بها باطل” مثلها مثل مصطلح “استعمار” الذي يعني جذره اللغوي إعمار منطقة وتزويدها كل الإمكانات للسير في دروب التحديث والتطوير. وعن “الديموقراطية.. مطلب حضاري”، يسأل محمد الراشد “لماذا لم يحقّق النبض الديموقراطي حضوره الكلي على جوانح قريتنا الصغيرة: الأرض؟”.
واللافت في هذا المحور بالذات، أنّ الراشد حمّل المسؤولية للغرب، إذ يرى أنّ هذا الأخير “زرع الديموقراطية في بعض أرضه وعزلها عن باقي أنحاء المعمورة”، ويعزو ذلك إلى “ولادة التورم السرطاني في بنية العقل الغربي وشعوره المرَضي بالتفوق على كل الأجناس البشرية الأخرى. والغرب لم يكن في يوم من الأيام حاملاً للواء الحضارة كما يزعم كاذباً، بل هو يحمل لواء استعمارياً منذ عصر النهضة الأوروبية حتى اليوم”.