نور خالد
محمد المولى نجم أفلام «الأكشن» اللبنانية في الثمانينيات، هو اليوم بطل أغنية من تقديم ولديه. ويحلّ هذا المساء في ضيافة برنامج «سيرة وانفتحت» على «الفيوتشر»... متى «يُقتل الأب» في الأغاني العربية؟

لا شيء يربط بين الأخوين: غسان وسالم المولى، والغناء. هما وجهان يحملان من الوسامة ما يؤهلهما لاقتحام «متر مربع» على شاشات الأغاني، ذلك البازار الكبير الذي بات يضم كل شيء. لكل مواطن عربي، تتوافر له مؤهلات الشكل والإمكانات المادية، حقّ في استغلال «متره المربع» على الشاشة الراقصة. يرقص فيه، يغني أو حتى «يشخر». لا همّ، ثم يختفي، أو يتحلّل شيئاً فشيئاً.
الأخوان، أحدهما عرفناه ملكاً لجمال لبنان ونجماً غنائياً ومشاركاً في «وادي» LBC، أرادا إطلالة مختلفة و«أوريجينال»، فكانت أغنية عن الأب أو «مهداة إليه». ذاك هو البطل العالمي لكمال الأجسام محمد المولى الذي ظهر في أفلام “الأكشن” اللبنانية في الثمانينيات، وشكل ثنائياً فنياً لفترة مع المخرج يوسف شرف الدين. البطل صار أباً، وقرر استعادة الإطلالة الإعلامية. وزافين قيومجيان عنون حلقة هذا المساء من «سيرة وانفتحت» بـ«عودة البطل»، ويتحدث في أحد محاروها، مع البطل العائد في فيديو كليب لولديه.
لكن احتفاء غسان وسالم بالأب بدا ناقصاً: فيما صُوَر هذا الأخير تتعاقب في الكليب، عبر لقطات تجسّد حنيناً الى «الزمن الجميل»، على رغم أنها محمّلة ببنادق الكلاشينكوف والمطاردات الحربية العنيفة... بين تلك الصور، نسمع شكوى «غنائية» من ولديه عن انتظارهما لحبيب أطال الغياب، وعدم إيمانهما بالقدر الذي فرّق الأحباب، وعن السهر الذي ذوّب القلوب، والقمر الشاهد في السماء.
لوهلة، ستظنّ أنّ هناك تصفية حسابات عائلية على الشاشة. كأن البطل، حين كان منهمكاً بتصوير الأفلام وحصد الجوائز الرياضية، ترك الصبيين يعانيان من الحرمان أو... التوحّد! ليس هناك معلومات طبعاً عن خلافات عائلية في بيت آل المولى، لكن كلمات الأغنية، على الأقلّ، وربطها بصورة الأب والإهداء، لا يمكن إلا أن توحي بذلك. ولقطة الحضن الدافئ في نهاية الكليب، حين يظهر البطل نفسه، تكرّس ذلك الإيحاء. السيناريو الآخر البديل أن يكون الأخوان مولى قد اختارا في البداية أغنية «تعال قرّب»، ثم تنبّها إلى دَين وجب عليهما تسديده. هكذا، ابتكرا بالاتفاق مع المخرج فادي حداد، فكرة الكليب. وكانت ضربة لعصفورين بحجر واحد.
لكن الأغنية تجسّد بعداً آخر، يعتمل فيه بعض الإيجابية. إذ إنّ تغييب مديح الأب في الكلمات، إن كان مقصوداً، يعني انقلاباً على تجارب سابقة، لمغنين آخرين ظلّوا حبيسين لأطر «الذنب الغريزي» تجاه صورة الأب. وبالتالي استوجب مدحه والتأكيد على «قداسته» للتحرر من هذا الذنب الذي يسمّيه فرويد «الطوطمائي». هل كانت فايزة أحمد «طوطمائية» حين غنت مطلع الستينيات، في فيلم «أنا وبناتي»، أغنية في مديح الأب (زكي رستم)؟ أغلب الظن أنّ مجتمع العرب في تلك الفترة كان لا يزال يعيش هالة الأب. إنّه الأب السياسي، ممثلاً بالزعيم جمال عبد الناصر، كان النموذج المُلهم لمبدعين كثر، وفي مجالات مختلفة، ليخلقوا «أبواتهم» ويمدحوهم. صار للرواية أب، وللأغنية أب، وللّحن أب، وللسينما أب. بدا المجتمع، في لحظة تلذذ سادية بسلطة الأب، في مهمة بحث لا تنتهي عن أولئك الآباء.
هكذا ظهر الفيلم محمّلاً بمعان تحتفل بسلطة الأب، حامي «بيت العز»، باذل التضحيات والثائر نحو الأفضل… ثم حصلت النكسة. هشمت أموراً كثيرة في نفوس الناس، من ضمنها صورة الأب ــ القائد. حسين كمال، نفسه، كان أحد أولئك المهشّمين، فكان أن انتقم من صورة الأب، عبر «قتله»، في فيلمين لاحقين هما: «شيء من الخوف» و«ثرثرة فوق النيل».
ثم مضت ثلاثة عقود، قبل أن تحيي المغنية أنغام هذه الصورة في «حسك في الدنيا يابا». كانت صورة الأب القائد قد تحلّلت منذ زمن، لتحلّ مكانها صورة الأب ــ الديكتاتور. بدت أغنية أنغام مثل أناشيد المغنين التي تقال في مديح السلطان. شيء من عبق أناشيد عبد الحليم الناصرية، ماثل في الأغنية: «الشرف اللي في جبينك، شوّقني أبوس جبينك، ولسه محتاجينك، يا منتهى الطيابة»، تقول الكلمات. هل أجبرت أنغام على أداء الأغنية؟ الطريف أنّ والدها الملحن محمد سليمان، هو نفسه الذي قام بتلحين الأغنية التي تمدحه. بعد سنوات، تخاصم الأب وابنته. ثارت الصبية على الأب و«قتلته». قيل الكثير عن أسباب الخلاف، لكن الأكيد أنّ صاحبة «يا طيب» كانت قد وصلت الى اللحظة التي تقتل فيها صورة طفولتها المقيّدة. كانت صغيرة حين كان الملحن يجرّها الى المسرح لتغني «لالي لالي» و«الركن البعيد الهادي»، ويحتكر صورتها وفكرها وعلاقاتها وتصميم أزيائها، قبل أن تغني له «كبرنا أكيد كبرنا، لكنك لسه خيرنا، تهدينا وتفتكرنا، بالدعوة المستجابة». صارت الأغنية نشيداً تبثّه الإذاعات مرةً كل سنة في مناسبة «عيد الأب»، ولم تغنّ أنغام بعدها عن «قتل الأب». ثم جاء الأخوان مولى وقدّما أغنية «القمر» و«القدر»، واحتفيا بـ«عودة البطل»، في وقت لا يزال الشارع العربي، وتحديداً اللبناني، يعيش أزمة البحث عن بطل، يكون بمثابة الأب الذي لم يتشجع يوماً على قتله… فينهض!
يذكر أخيراً أن «سيرة وانفتحت» (مباشرة على القناة الأرضية)، سيسلّط الضوء على خمسة مواضيع لفتت نظر زافين في الشهر الماضي، فيتناولها في توليفية جديدة قد تتحول سلسلة شهرية بعنوان «خمسة في واحد»: محمد المولى (وقد دُعي معجبو الفنان للمشاركة في الحلقة)، الوزن الزائد عند المراهقين، الأحلام الشخصية بعد الزواج، متابعة لقصة إحدى ضحايا حرب تموز، وأخيراً كوب زافين الجديد. فيما تقوّم النسخة الفضائية سياسات الأنطمة العربية في معالجة مشاكلها الاجتماعية.

التاسعة والنصف على «المستقبل» الأرضية