دمشق ــ الأخبار
بعد مسلسل “مشاريع صغيرة” الذي قدّمه في الموسم الماضي، يخوض المثنى صبح تجربته الإخراجية الثانية في عمل يحمل عنوان “على حافة الهاوية”. يتوغل النصّ الذي كتبته أمل حنا في طبائع النفس البشرية وتناقضاتها، ويشتغل على المشاعر في الدرجة الأولى. بهذا المعنى، يدير العمل ظهره للقضايا الكبرى، ويعتني بالجزئيات والتفاصيل لاكتشاف المناطق المجهولة في الإنسان. وتحضر مفردة “الخوف” كمحور لتصرفات الشخصيات: الخوف من التغيير والمغامرة في مواجهة حقائق أخرى، قد تكون هي الصواب. هكذا تتمترس شخصيات العمل وراء قناعات راسخة، لا تريد أن تغادرها، أو تمتحن غيرها بسبب الخوف مما ينتظرها، وتظل كلمة “لا” هي الأصعب، خوفاً من السقوط في الهاوية.
تدور أحداث العمل في بناء واحد، يضم أسراً متعددة ومتفاوتة في سلوكياتها، لكنها تلتقي عند ثيمة واحدة، هي “الخوف” عبر علاقات اجتماعية طابعها الخوف السلبي. ويطرح المسلسل أسئلة جوهرية تتعلق بمصائر الأفراد، كأن تقول زوجة مقهورة “لا”... ماذا سوف يحصل؟ وهل ستصل إلى حافة الهاوية حقاً، أم تتخلص من عبء نفسي كبير كان يجثم على صدرها؟ الخوف من صنع أيدينا، فلماذا لا نتجاوزه، ونواجه أقدارنا ونستعيد إرادتنا المقيّدة تاريخياً بمخاوف متراكمة؟ كيف نتخلص من حال الحصار النفسي، وننظر في المرآة إلى أعماقنا، وننفض الغبار عن هويتنا الحقيقية، الهوية التي تعبّر عن ذواتنا من دون أقنعة؟ أسئلة تبحث عن إجابات واضحة في نسيج العمل، مثلما تدعو في الوقت عينه إلى رفض مفاهيم وتقاليد لطالما قادتنا إلى طرق مسدودة.
“على حافة الهاوية” من جهة أخرى، هو دراما أجيال، تلتقي وتفترق في مفاهيمها وقناعاتها، وتصل في بعض المواقف إلى حد الصدام... وتتكشّف لاحقاً عن اتساع الهوة بينها، ما يبعد هذه الشخصيات عن لحظة السعادة المفتقدة بسبب غياب الحوار في حياتها. يتجلّى امتياز هذا العمل في ملامسته للمشاعر الصغيرة والمواقف اليومية في الحب والعمل والعلاقات الإنسانية عموماً. والعمارة التي تجمع شخصيات العمل، تبدو في نهاية المطاف، كأنها بلا جدران عازلة. إذ تتسلل حكايات الآخرين إلى خارج الأبواب الموصدة، في نوع من المحاكمة العلنية لممارسات اجتماعية خاطئة، يتحكم بها الخوف وحده.
يقول جمال سليمان الذي يؤدي دور شيف في مطعم شعبي “إن هذا العمل أقرب ما يكون إلى قصص تشيخوف في مقاربته لأعماق الشخصية ومونولوغاتها الداخلية، وتمزقها بين مواقف متناقضة، في حياة نفسية ووجدانية مركّبة”. ويضيف: “بهذا المعنى، فإن شخصيات العمل تعيش ازدواجية بين ما تقوله، وبين ما تشعر به. لأن ما تقوله ليس بالضرورة أن يكون تعبيرها الحقيقي عما تشعر به إزاء موقف حياتي معيّن”. أما المخرج المثنى صبح فيختزل فكرة العمل بجملة واحدة هي: “كيف تُعلّم العصفور أنه خلق ليطير بجناحيه، وليس كي يحبس في قفص”. يشارك في تجسيد شخصيات “على حافة الهاوية” (إنتاج شركة سوريا الدولية) عدد كبير من الممثلين، أبرزهم: كاريس بشار، وباسل خياط، ويارا صبري، وقيس الشيخ نجيب، ولورا أبو أسعد، وجلال شموط، وضحى الدبس.