هنا ترقد آخر طفلة في العالم

  • 0
  • ض
  • ض

لا ينكر محمد الماغوط حجم العسف الذي أحاق بحياة رفيقة دربه سنيّة صالح وتجربتها. لقد كانا على طرفي نقيض. حاولت سنيّة ترويض شراسة «البدوي الأحمر» من دون جدوى. حين فقدت الأمل من ذلك، خاطبته في إحدى قصائدها تقول: «إنك من الزرنيخ يا سيدي. أفتح فمي كل صباح وأبتلع جزءاً فيك ولم تنته». بعد رحيلها الفاجع، حاول الماغوط التكفير عن ذنوبه فرثاها بقصيدة طويلة بعنوان «سيّاف الزهور»، واعتبرها «يتيمة الدهر وكل الدهور». وكتب على شاهدة قبرها: «هنا ترقد الشاعرة سنية صالح، آخر طفلة في العالم». في مرثيته لها يقول: «ثلاثين سنة وهي تحملني كالجندي الجريح، ولم أستطع أن أحملها إلى قبرها بضع خطوات». وظل الماغوط إلى آخر حياته يهجس باسمها. فهذه العلاقة، كما قال، «أثمرت شعراً وأكداساً من الحزن والذكريات. هي حبي الوحيد، نقيض الإرهاب والكراهية، عاشت معي ظروفاً صعبة، لكنها ظلت على الدوام، أكبر من مدينة. إنها كون وكل النساء من بعدها نجوم تمر وتنطفئ، هي وحدها السماء. هي المرأة في كل ما أكتب. كانت كعروق الذهب في الأرض». ويعترف محمد الماغوط بأنه لم ينشر قصيدة من دون أن تقرأها سنيّة. وإن لم تعجبها، كان يمزقها على الفور. ولعل المقدمة التي كتبتها سنية صالح لأعمال الماغوط الشعرية تحت عنوان «طفولة بريئة وإرهاب مسن» هي من أعمق ما كُتب عن تجربته. إذ لامست جوهر موهبته بحس نقدي لاذع. أما أدونيس فقد قال عنها: «لا أبالغ إن قلت إنّ سنية صالح قد تكون أهم شاعرة عربية في السنوات الخمسين الأخيرة».

0 تعليق

التعليقات