strong> بشير صفير
  • بويان ز. وجوليان لورو... أخيراً في بيروت

    المهرجان الذي أطلقه صيف 2004 شاب متحمّس عائد من فرنسا بحثاً عن جذوره، صار مؤسسة عالميّة، لم يقوَ العدوان الإسرائيلي على إسكاتها. الليلة يلتقي البيانو اليوغوسلافي والساكسوفون الفرنسي... في ضيافة كريم غطاس

    هذا المساء بيروت على موعد، مجدداً، مع موسيقى الجاز بعيداً من المناكفات السياسية والأجواء المحقونة. المناسبة التي تنقل المدينة من مزاج إلى آخر، تقام تحت راية Liban jazz. مهرجان موسيقى الجاز السنوي الذي أطلقه كريم غطّاس العام 2004، استأنف نشاطه بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، عبر حفلة مميزة في عزف منفرد على البيانو لموسيقي الجاز الأميركي ــ الفرنسي لوران دو وايلد في 20 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. ويتابع “ليبان جاز” (أو جاز في لبنان) برنامجه المقرّر، مع سبق الإصرار، بعد تعديلات على تاريخ الحفلات وأسماء الموسيقيين والفرق التي كان مقرّراً أن تشارك في المهرجان خلال الصيف الماضي.
    حفلة اليوم من الحفلات التي كنا ننتظرها خلال صيف 2006، وتجمع بين اثنين من أبرز الأسماء الشابة في موسيقى الجاز على الساحة الأوروبية عموماً والفرنسية خصوصاً، وهما عازف البيانو اليوغوسلافي الأصل Bojan Z بويان ز. (مواليد 1970) وعازف الساكسوفون الفرنسي Julien LOURAU جوليان لورو (1986). وقد سبق للثنائي أن شارك في حفلة نظمتها “ليبان جاز” في مسرح الـ“روان بوان” في العاصمة الفرنسية في 5 أيلول (سبتمبر) الماضي، حملت عنوان
    “Concert en blanc”، وجمعت نخبة من الموسيقيين العالميين (معظمهم من عالم الجاز) الذين أتوا لدعم لبنان الذي كان ينهض يومذاك من أسابيع الحصار الإسرائيلي والدمار الذي خلّفه العدوان. أبرز الموسيقيين الذين شاركوا في ذلك الحدث (وصل عددهم الى 25): هنري تكسييه، ألدو رومانو، أرتشي شيب، ثلاثي جبران (ثلاثي عود فلسطيني)، ابراهيم معلوف (نجل عازف الترومبيت اللبناني نسيم معلوف)، ظافر يوسف، مينا أغوسي، لويس سكلافيس...
    هكذا تحولت علاقة الثنائي بويان ز. وجوليان لورو من حفلة أُلغيت الصيف الماضي، الى مشاركة في حفلة باريسية دعماً للشعب اللبناني، ورست على إصرار منهما ومن كريم غطّاس على المجيء إلى لبنان، وإحياء تلك الحفلة التي لم يتمكّن العدوان الإسرائيلي إلا من تأجيلها.
    والعازفان الشابان يجتمعان غالباً في تلك التركيبة الثنائية، لتقديم مؤلفات مشتركة أو أخرى لكل منهما، ووصلت هذه التجربة الى قاعدة صلبة تظهر بوضوح في التفاهم الذي يخيّم على أدائهما بخاصة في المقطوعات المنتظمة، إذ يتولى أحدهما ضبط الإيقاع فيما يقوم الآخر بأداء الجمل المكتوبة، وبعض الارتجالات... ثم يتبادلان الأدوار بسبب غياب آلة ايقاعية مرافقة تقوم بهذه المهمة. وإضافة الى ذلك، لكل منهما مشروعه الموسيقي الخاص، بالتوازي مع التعاون القائم بينهما ونشاطات عابرة أخرى تجمعهما بين حين وآخر بموسيقيين آخرين، في تجارب مختلفة تنتمي إلى أشكال الجاز كافة: من الكلاسيكي الى الارتجال الحرّ والمفرط، والجاز الحديث الذي تدخل الالكترونيات في تركيبته، مروراً بالتيارات التي جمعت موسيقى الجاز بالفانك والروك والراب (DUB أي الريغي غير المغنّى)... ويعود السبب في هذا الانفتاح الى ثقافة كل منهما الواسعة والبيئة التي ينحدر منها...
    بويان ز. واسمه الأصلي بويان ذو الفقار باشيتش ولد في بلغراد، وبدأ دراسة البيانو منذ عامه الخامس، وتشبّع في بداياته من الموسيقى التراثية اليوغوسلافية المعروفة بغناها الايقاعي والميلودي، واكتشف فريق الـ “بيتلز”، ومن ثم تأثر بمؤسسي التيار الانطباعي في الموسيقى الكلاسيكية، متمثلاً بالفرنسيين كلود دوبوسي وموريس رافيل. بدأ نشاطه في فرق الجاز المحلية ونال في عام 1989 جائزة أفضل موسيقي جاز شاب في يوغوسلافيا. جاء الى فرنسا عام 1988، ليصبح خلال سنوات قليلة من أهم الأسماء في المشهد الموسيقي الفرنسي، ولا سيما الجاز. خاض تجارب عدّة في العزف مع كبار موسيقيي الجاز، أمثال عازف الكونترباص هنري تكسييه، وعازف الفلوت ماجيك ماليك (قدّم الصيف الماضي آخر حفلات “ليبان جاز” في لبنان قبيل العدوان)، وعازف الكلارينيت ميشال بورتال، وجوليان لورو طبعاً. أصدر حتى الآن ستّ أسطوانات خاصة، حمل آخرها عنوان XENOPHONIA. وكان له محطة مع العزف المنفرد في أسطوانة Solobsession التي أطلق فيها العنان لهوسه في الاختلاء بآلته.
    أما جوليان لورو فهو من أبرز موسيقيي الجاز وعازفي الساكسوفون في فرنسا اليوم. أسّس مع موسيقيين آخرين فرقاً بتركيبات مختلفة تأرجحت اهتماماتها الموسيقية بين الروك والجاز، وشارك عازفاً مع أسماء كبيرة في عالم الجاز أمثال المغنية أبّي لينكولن ومارك دوكريه وهنري تكسييه. استهوته الموسيقى الالكترونية، عندما عرفت أوجها في أواخر التسعينيات، فأدخلها الى عالمه ووثّق تجربته هذه في ألبوم بعنوان Gambit. عاد بعدها الى اهتمامه الأول، وأصدر أسطوانة The rise، تلتها أسطوانتا Fire و Forget (2005). أظهر في الألبوم الأخير مهاراته مؤلفاً، من خلال إعادة صياغة إحدى المقطوعات الواردة فيها بأساليب عدة، معتمداً في كل مرة إيقاعاً من عالم الجاز أو من خارجه، ومولّفاً الجمل المكتوبة أو تلك المرتجلة على أساس الإيقاع. آلته الأساسية هي الساكسوفون (تينور)، لكنّه استعمل مراراً صغير العائلة أي السوبرانو ساكس، والألتو ساكس في المقطوعات التي تعتمد الايقاع السريع. ونادراً ما يستخدم الصوت الجَهْوَري في عائلة الساكسوفون أي الباريتون ساكس.
    ويجتمع هذان العازفان مجدداً الليلة، في صالة “ميوزكهول” البيروتية، لتقديم خلاصة تجاربهما الغنيّة، وخبراتهما الطويلة وثقافتهما الواسعة في مجال الموسيقى عموماً، والجاز على وجه التحديد. وإذا جاء أداؤهما على غرار ما تسنّى لنا رؤيته في الحفلة المصورّة التي شاركا فيها في العاصمة الفرنسية، فهذا يعني أنّ الحفلة ستكون موعداً نادراً مع الجاز، يجمع بين الشغف والابتكار والبساطة. لكن لا بدّ من ملاحظة أخيرة: لن يتسّنى لكلّ عشاق الجاز الليلة حضور حفلة الـ“ميوزكهول”، بسبب أسعار البطاقات. واللوم قد لا يقع على عاتق Liban Jazz وحده بسبب الكلفة العالية التي يتطلبها تنظيم موعد من هذا المستوى. متى تدرج الدولة في سلّم أولوياتها دعم مشاريع ثقافية مماثلة، كي يتمكّن منظمو الحفلة من تخفيض أسعار البطاقات لتصبح بمتناول الجميع؟

    هذا المساء في MusicHall ــ بيروت :
    01-36.12.36 / 03-807.555