من غيتوهات الفقر والتهميش في حيّ البرونكس النيويوركي، انطلقت ثقافة الـ “هيب الهوب” في سبعينيات القرن الماضي... وبلغت لبنان في النصف الثاني من التسعينيات مع انطلاق فرق محلية مثل “عكس السير” و“قطاع ب.” و“أشكمان”. ومنذ ذلك الوقت، صار بالإمكان الكلام عن ثقافة Hip Hop حقيقيّة في لبنان (مثل الجزائر وفلسطين والمغرب...)، تحديداً من خلال فرق RAP عدّة، بات لها جمهورها وإصداراتها وحفلاتها الحيّة. وها هو الموسيقي زيد حمدان يبادر إلى جمع بعض تلك التجارب والأسماء، في حفلة مشتركة تقام غداً في “قاعة مونتين” في بيروت، تحت عنوان معبّر: “شاعر بالشارع”، برعاية البعثة الثقافية الفرنسية في لبنان. استغرقت التحضيرات ثلاثة أسابيع، للتوصّل الى صيغة تجعل منها عرضاً متكاملاً، تتفاعل عناصره السمعية (موسيقى وغناء) بتلك البصرية (رقص وفيديو وديكور وإضاءة)، فتشكّل مادةً فنية واحدةً ترضي العين والأذن معاً. ويُعدّ هذا الحدث فريداً من نوعه في لبنان. إذ إنّه يجمع للمرة الأولى على المسرح كل هذه العناصر التي تتكوّن منها ثقافة الهيب هوب.
تشارك في الحفلة ــ العرض ــ مجموعة من الفنانين يؤدون وظيفتهم في هذه التركيبة، كلٌّ في مجاله وبالتفاعل والتواطؤ مع الآخرين وذلك على مدى ساعة متكاملة. من الناحية الموسيقية، تجتمع على خشبة المسرح شلّة من صانعي الـ“راب” في لبنان: MC 6K، MC RGB، MC JOKER وهم في الأصل منبثقون عن الفرقة الأم المشاركة هي أيضاً في الحفلة، أي فرقة “قطاع ب” (قطاع بيروت) التي تأسست عام 1998 في بيروت، قبل أن يتوزّع نشاطها بين لبنان وفرنسا في تركيبات مختلفة (“قطاعيون” وRGB). ويشاركهم أيضاً مغني الراب MC MO (و MC هو تسمية تُطلق على مؤدي أغنية الراب وتعني “سيد الحفلة”). وضمن العنصر السمعي، يشارك في العرض DJ Lethal skills في عملية تُعرف باسم Djing (أي التحوير والمزج الآني لمواد موسيقية وصوتية مسجّلة مسبقاً). أما من الناحية البصرية التي تنقسم الى قسمين، الكوريغرافيا والفيديو، فسيقدّم فريق Blaze Crew المؤلف من ستة راقصين لبنانيين، عرضاً ينتمي الى ثقافة الـ“هيب هوب” ويعرف باسم الـ “Break dance”.
أما في القسم البصري الثاني المعروف باسم الـ Vjing (أي التحوير والمزج الآني لمواد بصرية مصورة مسبقاً)، فسيعرض MC 6K الذي أصبح اسمه في اللعبة البصرية VJ ايلي حبيب مهاراته في عملية بصرية كان قد صوّر وقطّع مادتها بنفسه. كما ستقوم بعمل مماثل الـVJ نينا نجّار. ويضاف طبعاً الى الشق البصري، الديكور الذي جُهّز خصيصاً في تصميم يناسب الجو العام للعرض.
في الشق الموسيقي، تحديداً في ما يخصّ النصوص التي تُعلّق عليها الأهمية الأكبر، سيؤدي المغنون المشاركون أغانيهم الخاصة التي تعتمد لغة الشارع في أداء رتيب، لا يعتمد لحناً غنائياً... بل يعتمد، كما هو معروف في موسيقى الراب، على الكلام المقفّى، والنبض القوي، ويوجه رسائله الواضحة والمباشرة في أسلوب استفزازي يطال غالباً الشرطة والطبقية الاجتماعية، ويدعو الى الرفض والثورة.
يختار واضعو هذه النصوص عباراتهم من قاموس اللغة اللبنانية المحكية، ولا يتوانون عن اطلاق العبارات النابية أحياناً، باعتبارها من صميم لغة الشارع.
فنانو الـ“هيب هوب” هم شعراء الشارع، والمطالبون بالخروج منه الى دفء الحياة الهانئة، لكن هل يا ترى هي حالهم في الواقع؟ بعضهم بلى، لكنْ هناك جزء مهمّ من رواد تلك الثقافة في لبنان، سلك اتجاهاً معاكساً، من المنزل (والوسط البورجوازي) الى الشارع... فلم يستطع التخلّي عن الأول ولا أن يندمج في الثاني.
بشير...


غداً الخميس، ابتداءً من التاسعة والنصف ليلاً في “المركز الثقافي الفرنسي” – طريق الشام ــ بيروت (الدخول مجّاني)