دمشق ــ خليل صويلح
منذ سنوات، أخذ نجدت أنزور على عاتقه مهمة “إسقاط تهمة الإرهاب عن العرب والمسلمين”. بعد “الحور العين”و“المارقون”، يطالعنا المخرج السوري اليوم بمسلسل “سقف العالم” حيث يواجه الدنماركيين في عقر دارهم!

بعد أحداث 11 أيلول، قرر عدد من صنّاع الدراما الغوص في تاريخ الإرهاب ومصادره، عبر استعراض أهم الوقائع التي عاشتها دول عربية وغيّرت في مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية في المنطقة. هكذا حبس المشاهدون أنفاسهم وهم يتابعون “الطريق إلى كابول”، ثم “الحور العين” و“الطريق الوعر”، وأخيراً “المارقون” و“دعاة على أبواب جهنّم”. هذا العام، قرر نجدت أنزور أن يكمل ما بدأه مع “الحور العين”، و“المارقون”. وهو قد استوحى من الاحتجاج والضجة اللذين رافقا نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام في صحيفة “جيلاندس بوستن” الدنماركية، إنجاز عمل تلفزيوني ضخم، سيعيد من خلاله الصورة المشرقة للمسلمين، بعيداً من الصورة الغربية التي طالما ربطت بين الإسلام والإرهاب. لكن النص الذي كتبه حسن م. يوسف، يزاوج بين حقبتين: الأولى معاصرة، والثانية تعود إلى نحو ألف سنة إلى الوراء، عبر استعادة مخطوطة مفقودة في اللغة العربية كان قد كتبها الرحالة العربي أحمد بن فضلان بعنوان “رسالة ابن فضلان”.
وتبدأ أحداث العمل في الدنمارك، في الوقت الذي تُنشر فيه الرسوم المسيئة إلى الإسلام. حينها، تقرر فتاة سورية تعيش هناك أن تخصص رسالتها لنيل شهادة الدكتوراه، عن حياة ابن فضلان ورحلته، كأفضل ردّ حضاري على الرسوم المسيئة. هكذا تعود الكاميرا إلى بغداد في القرن العاشر الميلادي، عندما كانت عاصمة مزدهرة للإمبراطورية العباسية، ومركزاً ثقافياً وحضارياً لكل العالم، بينما كانت أوروبا لا تزال تعيش ظلام القرون الوسطى. يختار الخليفة المقتدر بالله شاباً مثقفاً يدعى أحمد بن فضلان لمرافقة رحلة إلى بلاد الشمال لمعرفة حياتهم عن كثب، وتسجيل وقائع الرحلة. يودّع ابن فضلان حبيبته مرغماً، ويعيش مغامرة مثيرة مليئة بالأخطار والعجائب. وقبل أن تصل القافلة إلى غايتها ببضعة أيام، تمر بقبيلة من الشماليين “الاسكندنافيين”، وتعسكر على شاطئ الفولغا. هنا، يتوقف ابن فضلان لحضور مراسم حرق زعيم قبيلة الشمال وطقوسه، ووصفها في مخطوط رحلته. وتضيء رسالة ابن فضلان جوانب من الحياة البدائية التي تعيشها قبائل الشمال، والعادات التي اكتسبها من معاشرة هؤلاء القوم. بعد موت زعيم القبيلة وحرق جثته، كان على ابن فضلان أن ينتظر تتويج الزعيم الجديد للاستئذان منه بالرحيل. لكن وصول رسول من ملك الشمال العظيم، جاء لطلب العون من الزعيم الجديد لمواجهة خطر قبيلة بدائية كانت تهدد المملكة، أرجأ مغادرة ابن فضلان. وبعدما يستشير الزعيم عرّافة القبيلة في الموافقة على نجدة الملك أم رفضها، تبلغه هذه الأخيرة بضرورة مشاركة ثلاثة عشر فارساً، شرط ألا يكون الفارس الثالث عشر من السكان الأصليين. هكذا يقع الخيار على ابن فضلان، فيضطر إلى الموافقة، والقيام برحلة إلى المجهول... يُبحر ابن فضلان على ظهر مركب برفقة الفرسان الآخرين، وبعد رحلة طويلة، يتعرضون لهجوم من قبائل تأكل لحوم البشر، ويصاب بجروح في المعركة. تقوم إحدى الجواري بتضميد جراحه، فيتعلق بها ويعشقها. وعندما يشفى من جراحه، يُسمح له بالرحيل، ويعود إلى بلاده، بعدما قام برحلة فريدة إلى “سقف العالم”.
ويوضح نجدت أنزور أن عنوان العمل “سقف العالم”، يؤكد على مفارقة كبيرة: ففيما كانت الحضارة العربية الإسلامية قد وصلت إلى “سقف العالم” في المعرفة والعلم والازدهار في كل الحقول، كان سكان “سقف العالم” يعيشون في أدنى السلم الحضاري. ويضيف: “يهدف العمل إلى توثيق الحضارة الإسلامية، وبثّ رسالة إلى الآخر عن الصورة الحقيقية والتاريخية للمنطقة”. ويرصد العمل من ضفة أخرى، رحلة مخطوط ابن فضلان، بعد ضياع نسخته الأصلية، ولم يبق منه سوى بعض الاستشهادات التي اقتبسها الرحّالة العرب منه في كتبهم. هذا إضافة إلى الجهد الذي قام به البروفسور النرويجي فرانس دولوس (أستاذ الأدب المقارن) في جامعة أوسلو. إذ كرّس حياته كاملة لتجميع مخطوط ابن فضلان، من مختلف المصادر واللغات، ودقّقه بالاستناد إلى ما تبقى من النص العربي، وما كان قد تُرجم منه إلى اللغات الأخرى. ولم يسعفه القدر بنشر جهده خلال حياته، فما كان من كاتب أميركي يدعى مايكل كرايتون إلا الاستيلاء على الكتاب ونشره باسمه من دون ذكر اسم ابن فضلان، أو دولوس، بعنوان “آكلة الموتى”. وقد اقتبست السينما الأميركية من الكتاب شريطاً بعنوان “المحارب الثالث عشر”، وأدى دور ابن فضلان النجم أنطونيو بانديراس. أما في العمل السوري “سقف العالم” الذي يبدأ تصويره قريباً بين الساحل السوري والدنمارك، فتشارك مجموعة كبيرة من الممثلين، أبرزهم: غسان مسعود، وسلاف فواخرجي، ومنى واصف، ونضال سيجري. وهو سيعرض في رمضان المقبل.