مهى زراقط يتابع أكثر من مليوني مشاهد كندي المسلسل الكوميدي “مسجد صغير في المرج” الذي يتناول بأسلوب مرح الحياة اليومية للمسلمين في الغرب. مساهمة خجولة في تغيير الصورة النمطية التي تقدّمهم كإرهابيين!

“إذا كان والدي يعتقد أنّه انتحار فليكن... لكنني مصرّ على أن هذا ما كتبه الله لي”... هكذا يُنهي الشاب الوسيم مخابرته الهاتفية مع أمه، ويعود للوقوف في صف الانتظار في المطار. دقائق معدودة ويجد نفسه محاطاً برجال الأمن والشرطةالذين يعتذرون منه لأن “موعدك في الجنّة سيتأخر قليلاً”. إذ عليه قبل ذلك أن يخضع للتحقيق، لمعرفة تفاصيل العملية الانتحارية التي اختاره الله لها... هيئة عمّار التي توحي بأصول باكستانية، تعزز فرضية اتهامه بالإرهابي. فكيف إذا ترافقت مع حديث هاتفي، يحكي فيه عن الانتحار واختيار الله له؟! ثم يشرح الشاب للمحقق أن والده يرى في قراره التخلي عن مهنة المحاماة في مدينة تورونتو والانتقال إلى بلدة “ميرسي” (المتخيّلة) في ساسكاتشوان (حيث البراري) لإمامة المسجد هناك عملاً انتحارياً.
هذا المشهد الذي عرض الحلقة الأولى من المسلسل الكوميدي “مسجد صغير في المرج”، يؤكد منذ البداية أن العمل يحاول تقديم شيء مختلف عن الإسلام والمسلمين. وقد أنتجته قناة كندا الرسمية CBC، وحظي بتغطية إعلامية لافتة في مختلف دول العالم، لأنه أول مسلسل غربي يتناول المسلمين وأنماط حياتهم... عدا كونه كوميدياً. إضافة إلى الإعلام، تغصّ مواقع “البلوغرز” بتعليقات المشاهدين التي تتجاوز عشرات الآلاف، يطالبون فيها بترجمته إلى اللغة الفرنسية. أضف إلى ذلك أنّ تزايد نسبة المشاهدة أسبوعاً بعد أسبوع، جعل المسلسل مطلوباً في معظم دول العالم. وتجري حالياً مفاوضات لبيعه إلى محطات التلفزيون في أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ودبي... وحتى اسرائيل. أما إدارة المحطة فقد درست خطواتها جيداً قبل إطلاق المشروع. ولأنها تخوّفت من مواجهة العمل بردود فعل إسلامية مستنكرة، كتلك التي رافقت الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، عرضته أولاً على علماء دين، تفادياً لمرور أي إشارة عنصرية أو مهينة للمسلمين.
يروي Little Mosque On The Prairie الذي بدأ عرضه منتصف الشهر الماضي، قصة جالية إسلامية صغيرة ترغب في إقامة جامع للعبادة في بلدة “ميرسي”، فتقابَل بردة فعل سلبية من أبناء البلدة البروتستانت. وتجنباً للمشاكل، ترسل الجالية في طلب إمام جديد من مواليد كندا، فيكون المحامي عمّار أول من يتطوّع لهذه المهمة. وهكذا، يترك عمله في شركة والده ويلتحق بالجالية التي تعيش مواقف يومية مضحكة سواء في علاقة أفرادها فيما بينهم أو علاقتهم بـ “الآخر”. وتبرز هذه المشاكل غالباً بفعل المصاعب التي تواجه ممارسة المسلمين لواجباتهم الدينية، أو عدم القدرة على تفسير هذه الواجبات.
نشاهد مثلاً ريّان حمودي، ابنة المقاول اللبناني الأصل ياسر حمودي والأم الكندية سارة. هي ارتدت الحجاب بقرار شخصي، لكنها عجزت عن تفسير ذلك لفتاة راحت تسألها: «ألا يمكن أحداً أن يرى جسدك؟”.
ــ بلى... يمكن للفتيات ذلك.
ــ إذاً أنت سحاقية؟
ــ لا... زوجي أيضاً يمكنه ذلك.
ــ آه. أنت متزوجة؟
ــ لا، لست متزوجة، عندما أتزوج.
إجابات تربك الفتاة التي تطرح الأسئلة، فتختار الهروب لأن لديها ما يجب عمله.
إلا أن المسلسل يظهر أيضاً طواعية بعض المسلمين في التعامل مع المجتمع الذي يعيشون فيه. بعد نقاش عائلي طويل عن السماح للأطفال بالمشاركة في إحياء عيد “الهالويين” الوثني، تجد سيدة مسلمة الحلّ الآتي لأولادها: “اسم هذا العيد “حلال وين” أي أنه حلال، فليشاركوا أصدقاءهم به”. ولا تغيب عن العمل أيضاً الخلافات داخل الجالية نفسها، ومنها بين النساء والرجال احتجاجاً على وضع حاجز بين الجنسين في الجامع، الذي أقيم... في باحة الكنيسة. كما يتطرق المسلسل إلى الخلافات التي تقوم بين إمام الجامع القديم (وهو تقليدي ومحافظ)، والإمام “العصري” الذي يحلق ذقنه ويرتدي الجينز الضيق. خلاف وصل إلى منتقدي المسلسل، وبينهم الصحافية مارغريت ونتي في جريدة تورونتو اليومية The Globe and Mail التي لا تصدق وجود إمام جامع بهذه المواصفات: “ولو كان هناك إمام واحد مماثل له على هذه الكرة الأرضية، لكنت أسلمت فوراً وارتديت الحجاب واستقللت أول طائرة إلى مكة”. لكن ما تنتقده ونتي يراه آخرون علامة ايجابية “لأنه قد يدفع الشباب المسلم إلى التمثّل بالإمام الجديد”. ورفض المشاهدون الكنديون اعتبار سلوك أبناء البلدة السلبي تجاه المسلمين، معبّراً عن شخصية الكنديين المتسامحين، “وأي كندي سيتابع المسلسل سيضحك، مسقطاً صورة الأميركي على غير المسلم، لا صورته هو”. يعيد “مسجد صغير في المرج” إلى الأذهان اسم المسلسل الأميركي الشهير Little House On The Prairie، لكن المقارنة بين العملين يمكنها أن تتوقف عند هذا الحد. فيما تجوز المقارنة مع عمل كوميدي آخر يعود إلى نهاية السبعينيات، وهو البريطاني Mind your language الذي عرض بدوره الصور النمطية لأبناء الجنسيات المختلفة في صف اللغة الانكليزية المسائي في لندن.
أنتج العمل الذي يعرض مساء كل أربعاء بثماني حلقات فقط. غير أن نجاحه دفع إدارة التلفزيون الى التفكير في إنتاج 13 حلقة جديدة، تعرض في الربيع المقبل. وفي انتظار وصوله إلى المنطقة، يمكن مشاهدة المقاطع الترويجية له على الموقع الالكتروني (www.cbc.ca/littlemosque). ويعرض موقع
(www.youtube.com) الحلقات الثلاث الأولى منه، لكن مجزّأةً.