strong> فيصل عبد الله
لا تختلف قراءة المخرج دوغلاس مكغراث لشخصية الروائي الأميركي ترومان كابوتي عن تلك التي قدّمها بينيت ميللر في فيلمه “كابوتي” (2005). قام مكغراث في “سيئ السمعة” بتصوير المرحلة عينها التي ركّز عليها المخرج بينيت ميللر. هذه الفترة التي ظهرت فيها رواية كابوتي البوليسية “بدم بارد” وشكّلت منعطفاً في تاريخ الأدب الأميركي.
إنها نيويورك عام 1959. يبدأ المشهد الأول من “سيئ السمعة” في نادٍ ليلي حيث الرقص والغناء وسيدات المجتمع المخملي. الكاميرا تلاحق شخصاً واحداً، ليس سوى ترومان كابوتي (توبي جونز) هذا الروائي الأميركي الساخر المثير للجدل وصاحب الأطوار الغريبة الذي تحول الى حامل أسرار مجتمع مانهاتن المخملي.
هو يتصفح صحيفة “نيويورك تايمز” بعدما وقع على خبر يتناول جريمة قتل، راح ضحيتها عائلة كلاتر التي تعيش في القرية. هكذا، تبدأ أحداث الفيلم لتتعقّب مرحلة عَمِلَ فيها الكاتب ستّ سنوات ليخرج بعمله الشهير “بدم بارد” (1966) الذي نشرته صحيفة “نيويوك تايمز” على شكل حلقات، باعتباره جنساً أدبياً جديداً أو الرواية المجرّدة من الخيال.
يقرر كابوتي السفر الى كنساس مع صديقته الروائية نيلي هاربر لي (ساندرا بولوك)، للتحقيق في ملابسات مقتل عائلة كلاتر، مادّة روايته الجديدة. إلا أنّ الدخول الى عالم القرية الموصود أمام الغرباء وكسب ودّهم، وخصوصاً المحقق ألفن ديوي (جيف دانيلز) المكلّف بملف الجريمة، سيضع عقبات أمام الكاتب الصحافي. بعدما ألقت الشرطة القبض على بيري سميث (دانيال غريغ) بتهمة قتل عائلة كلاتر، وقد أصدرت المحكمة بحقّه حكم الإعدام.
الا أنّ علاقة فريدة ومعقّدة ستنشأ بين صاحب “الأبرياء” (1960) وبيري. هل إنّ قسوة الأب في طفولتهما هي التي قرّبت كابوتي وبيري، ودفعت الكاتب الى تعيين محام لإنقاذ بيري من حبل المشنقة؟ أم أنّ كابوتي كان يحاول إنقاذ بيري في بوح علني بمثلية الكاتب؟ أم أنّه أراد أن يبقي بيري حياً حتى اكتمال فصول روايته؟ أسئلة كثيرة يبقيها الفيلم من دون إجابات شافية.
ولعل قوة “سيئ السمعة” تكمن في هذه النقطة بالذات من خلال إشراك المشاهد في جمع هذه الخيوط من خلال المقابلات والحوارات التي تفتتح الجزء الأخير من الفيلم. مقابلات أجراها المخرج مع نساء من المجتمع النيويوركي عرفن كابوتي عن كثب، بما قد يجيب عن الأسئلة المعلّقة في الفيلم.
يقدّم “سيئ السمعة” بانوراما وقراءة اجتماعية وسياسية لتلك الحقبة، من خلال دخوله الى عالم الطبقة الوسطى في كنساس والامتيازات كما يمثّلها عالم مانهاتن و“التفاحة الكبيرة” نيويورك، مقابل العالم السفلي الذي مثّله بيري سميث.
قام مكغراث في “سيئ السمعة” بدراسة علاقة عذاب معقّدة جمعت كابوتي وبيري، تلك التي بدأت فصولها في زنزانة سجن انفرادية، ولم تنتهِ عند هذا الحدّ. بل أدّت الى دمار الروائي الأميركي على الصعيدين المهني والعاطفي وتحوّله الى مدمن كحول لاحقاً.