القاهرة ــ محمد شعير
«ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي»... أم مهزلة القاهرة للخلافات الشعريّة؟ لا شكّ في أن «الخلافات» على أنواعها، احتكرت النجوميّة في الدورة الأولى للتظاهرة العتيدة التي تثير النقاش منذ أشهر. فقد قرّر عدد من شعراء السبعينيات المصريين، مقاطعة جلسات الملتقى الذي يُختتم اليوم بإعلان اسم الفائز بجائزته. هكذا، تغيّب عبد المنعم رمضان ومحمد عفيفي مطر وحلمي سالم... عن الأمسيات الشعرية التي كان مقرراً أن يشاركوا فيها، وذلك احتجاجاً على سياسة اللجنة المنظمة في التحضير للملتقى. فبعدما كانت قد دعت عدداً من الشعراء المصريين الشباب، عادت اللجنة لتعتذر عن عدم استضافتهم، بحجّة كثرة الضيوف! الخلافات لم تتوقّف عند هذا الحد، بل امتدت لتطال أعضاء اللجنة المنظمة نفسها. هكذا، بدا الدكتور جابر عصفور متبرئاً من الإعداد للملتقى في كلمته الافتتاحية. إذ قال إنّه ترك كامل الحرية للجنة الشعر لتفعل ما تشاء، حتى لا يُتهم “بالهبوط بالمظلة” كما حدث قبلاً أثناء الإعداد لمؤتمر قصيدة النثر منذ سنوات. لكنّ مقرّر الملتقى أحمد عبد المعطي حجازي ردّ عليه بشكره على الإسهام في اختيار الأسماء المشاركة!
وبعيداً عن هذه الخلافات، كانت الأحاديث داخل الكواليس تتركّز على اسم الفائز، إذ استقرت بورصة الترشيحات على الشاعر الفلسطيني محمود درويش منفرداً. وعلى رغم السرية التى يفرضها المجلس على لجنة التحكيم واجتماعاتها، إلا أنّ وصول عدد من المشاركين في المؤتمر قبل أربعة أيام من افتتاحه، كشف أنّ اللجنة تتألّف من الناقد الأردني محمد شاهين، والفلسطينية ريتا عوض، واللبناني شربل داغر، والتونسي حمادي صمود، فضلاً عن الناقد المصري محمد بدوي. هذا التشكيل يرجّح كفّة محمود درويش أكثر من أي شاعر آخر... لكنّ الأمور لم تُحسم حتى الآن، فلجنة التحكيم ستختم أعمالها قبل ساعات من الحفلة الختامية مساء اليوم.
ويرى بعضهم أنّ اعتراض حجازي على منح الجائزة لدرويش، قد يقلّص من حظوظ هذا الأخير، لا سيما بعد النزعة الشوفينية التي تضمنتها كلمته في الافتتاح. وسرت شائعات، لا يسعنا تأكيدها أو نفيها، بأن الطمع بلغ بحجازي إلى حدّ طرح اسمه للحصول على الجائزة، لكن صاحب العلاقة نفى ذلك في الصحافة.
ورأى كثيرون أن منح الجائزة إلى شاعر مكرّس لن تضيف إليه شيئاً، وخصوصاً مع قيمتها المادية المحدودة (17 ألف دولار أميركي). لكنّ المنظمين عارضوا بشدّة أن تكون من نصيب شاعر من الأجيال التالية (السبعينيات)، لأن الأمر سيعتبر انتقاصاً من شرعية الملتقى، ودليلاً على فشله.
وكان وزير الثقافة المصري فاروق حسني قد افتتح ملتقى الشعر السبت الماضي، وجاءت الكلمات الافتتاحية عن مستقبل الشعر في المنطقة العربية متشائمة كثيراً. هكذا، تساءل الدكتور جابر عصفور الأمين العام لـ“المجلس الأعلى للثقافة”: “هل يبقى الشعر على حاله في حياتنا العربية التي فقدت محورها وبوصلتها؟ وماذا يمكن أن يفعله الشعر العربي في زمن يكفر الإبداع، ويغرس سكيناً صدئة في رقبة نجيب محفوظ، صاحب فكرة المؤتمر؟”. أما أحمد عبد المعطي حجازي، فأكد أنّ “الشعر من ضحايا الحرب والتعصب والإرهاب والعنصرية والرأسمالية المتوحشة. الشعر في خطر، إذ لا ملجأ له في هذا العالم”.
أما الشاعر الأردني حيدر محمود، فأكّد أنّ هذا الملتقى يشكل جامعاً عربياً (لا جامعة عربية) يتصافح فيه الشعراء... لا كما يتفاصح غيرهم. وشدّد على حضور السياسة في الملتقى، “لأنّ الجرح العربي اتّسع، وما كنّا نسميه نكبة كرّست نكبات كثيرة، وانتشرت منها النار التي تشعل أصابع العالم كله، لا العرب وحدهم”. وتساءل النقاد والإعلاميّون: ما جدوى انعقاد مؤتمر لا يعترف منظّموه بأهميته؟
واختُتم اليوم الأول بأمسية شعرية، شارك فيها الشعراء: بول شاوول، محمد سليمان، سلوى النعيمي... وأخيراً محمود درويش الذي التزم بالوقت المحدد على رغم مطالبة الجمهور بالبقاء لأطول فترة ممكنة. لكنّه لم يكن في مزاج يسمح له بالتألق كما علّق العديد من المشاركين. وعزا بعضهم ذلك الى ضيقه من الحديث عن الجائزة، واعتباره جزءاً من “طبخة” تهدف الى إنجاح الملتقى. فهل سئم درويش حقاً من هذه الطريقة المبتكرة في المتاجرة باسمه، عبر منحه الجائزة، من أجل تحقيق رواج الملتقى، وتأكيد شرعيّته، وبسط هالته الإعلاميّة؟