دمشق ــ خليل صويلح
رأى المخرج هشام شربتجي أن مسلسل “ذاكرة الجسد”، هو مشروع عمره التلفزيوني. الرواية التي كتبتها الجزائرية أحلام مستغانمي (1993)، لا تزال إلى اليوم من بين أكثر الروايات العربية مبيعاً، وإثارة للأسئلة والسجال. ويتوقع أن يثير العمل الذي يبدأ تصويره قريباً، زوابع أخرى تتعلق بالجانب السيروي من الرواية، وموقع شخصية الكاتبة في مسار الأحداث التي تستعيد أطيافاً من سير رجال المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى تحولات بعض هذه الشخصيات بعد الاستقلال.
بطل الرواية “خالد” الذي يلعب دوره غسان مسعود بمشاركة ممثلين جزائريين وتونسيين وفرنسيين، هو مقاتل في جبهة المقاومة الجزائرية بقيادة سي طاهر عبد المولىيصاب في إحدى المعارك، فيُنقَل إلى جانب عدد من المصابين إلى تونس، ويوصيه سي الطاهر بأن يزور عائلته المقيمة في تونس، وأن يسجّل طفلته المولودة حديثاً باسم أحلام. يخضع خالد للعلاج، فتبتر يده اليسرى، ويقرر أن يتعلم الرسم كنوع من التدريب على حياة جديدة، فيما يقتل سي طاهر من دون أن يرى ابنته التي أُطلق عليها اسم حياة. بعد استقلال الجزائر، تتعرض المدن للنهب من رجال الثورة، وينتشر الفساد، فيقرر خالد أن يغادر البلاد إلى باريس، بعدما يستقيل من عمله في رقابة المطبوعات، ويصبح رساماً. في باريس، يلتقي بالشاعر الفلسطيني زياد الذي كان يعمل مدرساً للغة العربية في الجزائر، وستكون هذه الشخصية الغامضة واحدة من المحاور الرئيسية في العمل. هكذا ينهض النسيج الدرامي للعمل من وجهة نظر خالد بالعودة ربع قرن إلى الوراء، لحظة خروجه من جبهة المقاومة. تتداعى الأحداث والذكريات، وتختلط الأزمنة، وصولاً إلى موقف درامي مؤثر، سيكون منعطفاً في حياته، عندما تزور الفتاة حياة معرضه في باريس، بعدما أصبحت شابة. وبعد لقاءات عدة، يقع في حبها (تلعب دورها كاريس بشار)، ويرسمها في لوحات عدة، إلى أن تتوحد صورتها بصورة قسنطينة، ويعيش معذباً بهذا الحب، وخصوصاً بعدما يتعرف الشاعر زياد إلى حياة، وتبدأ شكوك خالد تجاههمالا يعتمد مسلسل “ذاكرة الجسد” الذي كتب له الســــــــــيناريو غازي الذيبة، تحت إشراف صاحبة النص، على خط درامي واحد، بل تتشابك خطوطه وشخصياته المتعددة، بين قسنطينة وتونس وباريس وإسبانيا، لينتهي بعرس حياة في قسنطينة ومقتل زياد، وموت شقيق خالد. ويعري العمل (إنتاج المركز العربي في عمان) من جهة أخرى مآل الثورة الجزائرية، وصعود بعض شخصيات الثورة على حساب الآخرين، في وطن أصبح أمياً، كما يعلّق خالد في مذكراته. فيما يبقى هو معلّقاً بين جسرين وذاكرتين: ذاكرة الغربة وذاكرة الوطن، بعد أن أضاع بوصلته. وعندما يقرر العودة إلى الجزائر، يسأله رجل الجمارك في المطار: “بماذا تصرّح”، يجيبه بأسى “أصّرح بالذاكرة”.
التصريح بالذاكرة سوف يكون محــــــــور هذا العمل إذاً: ذاكرة شخصيات قلقة عاشت تجارب قاسية في الحب والغربة والفراق، والفجيعة الشخصية، وذاكرة بلاد لا تزال تعيش قضايا شائكة في معنى الهوية إلى اليوم.