قبل ساعتين من الجلسة الختامية لـ“ملتقى القاهرة”، كان سعدي يوسف يجلس في غرفته في الفندق، وقد اتخذ قراره بعدم حضور الجلسة الختامية للمؤتمر، لأن “الفوز بالجائزة أو خسارتها” سيشعره بحرج شديد. ويوضح الشاعر العراقي: “كأنّنا في حلبة سباق للخيول... لا تنافس على الجمال. كان ينبغي أن تُقدَّم الجائزة بعد نوع من البحث ووفق معايير معينة وتُعلن قبل المؤتمر بفترة كافية، وتُسلّم وقت انعقاد المؤتمر”.هل شعر بضيق من حصول درويش على الجائزة ؟ “بالتأكيد لا. أنا سعيد وفخور”. بين الشاعرين علاقة خاصة: “محمود شخص نبيل، عشنا معاً في ظروف خطر حقيقي، في بيروت خصوصاً. كنا نلتقي باستمرار في قبرص وبيروت وباريس وعمان. وفي مفاصل حقيقية من حياتي، ساعدني درويش كثيراً. كنت أحياناً ضائعاً في هذه الدنيا، مررت في أوقات صعبة، وكان يمدّ لي حبل النجاة. كما أن بيننا عاملاً فنياً مشتركاً، كل منّا يتابع ما يفعله الآخر فنياً”.
وقد ارتبك درويش وهو يتسلم الجائزة. لعلّه كان يقصد سعدي عندما قال: “لا تنقصني النباهة لكي أعرف أنّ المصادفة السعيدة وحدها هي التي اختارتني لهذا التكريم. كثير من الشعراء يستحقون الجائزة قبلي. وأنا إذا قبلتها، فإنني اقبلها نيابة عنهم. فأنا لست إلا امتداداً لهم (...) الشاعر الذي يعتقد أنه الكاتب الوحيد لقصيدته مخطئ، فالشعر كتابة على كتابة والشاعر يوقّع اسمه على نص كتبه آلاف الشعراء قبله”.

درويش يردد كثيراً أن سعدي كان أحد الشعراء الذين “درَّبني شعرهم على التنقيب عن الشعري في ما لا يبدو أنه شعري، وأَغراني بمقاومة الإغراء الإيقاعي الصاخب، وبالاقتصاد في البلاغة. وكم سئلت عن فترات يأس شعري مررت بها، وكنت أَقول دائماً: ما دام سعدي يوسف يكتب، فإنني أَشعر بأنه يكتب نيابة عني”.
سعدي يوسف الذي لم يزر القاهرة منذ 12 عاماً، أمضى وقته مع أصدقاء في بارات ومطاعم أو في منتديات ثقافية ودور نشر. حتى إنّ بعضهم تحدّث عن مؤتمرين للشعر في القاهرة، واحد رسمي وآخر لسعدي يوسف. وكانت “دار آفاق للنشر” أصدرت في مناسبة زيارة سعدي مختارات من أشعاره، انتقاها بنفسه وسماها “الشعر في نصف قرن”. وأقامت له في هذه المناسبة حفلة توقيع حضرها عشرات الشعراء والنقاد معظمهم من المستبعدين من “ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي”: سيد البحراوي، وعبد المنعم رمضان، فريال غزول، منى أنيس، فتحي عبد الله، مهدي مصطفى، جيهان عمر وعشرات غيرهم. كما وقّع مع هيئة قصور الثقافة عقداً لنشر أعماله الكاملة في سبعة مجلدات. هكذا ضمنت القاهرة سيعود إليها قريباً.