إسماعيل طلاي
لمسة كئيبة خيّمت أمس على هواء الفضائيات العربية، واللون الأحمر الذي زيّن ديكور عدد من الاستديوهات، لم يضف كثيراً من “السعادة” على قلوب المذيعين والضيوف أو المشاهدين، حتى إنّ الابتسامات المتكلّفة لمقدمات البرامج وزيهنّ الأحمر الفاقع، لم يُنجحا “الاستعراض”، ويجعلا من “عيد الحب” مناسبة مميزة.
وعلى خلاف القنوات الغربية التي حرصت على بثّ صور عن اكتظاظ محال الورود والشوكولا بالعشّاق، واستطلعت آراء الناس عن أفضل هدية تنتظرها الفتاة من حبيبها، بدا الاحتفال في الفضائيات العربية خجولاً و“محتشماً” للغاية.
أخبار الانفجارات في الجزائر ولبنان وإيران كانت لا تزال تلقي بظلالها على قناة “الجزيرة” صباح أمس. واستقبلت المحطة المحللين، ليتحدثوا عن مستقبل الإرهاب في المنطقة، وخطب الظواهري، ومصير لبنان المعلّق في الذكرى الثانية لرحيل الرئيس الحريري. وقناة “العربية” التي تميّزت العام الماضي بتغطية “وردية” لعيد العشّاق، بدت هي الأخرى حزينة على واقع العالم هذه السنة. وعدا تقرير “وجيز” عن المناسبة، لم نر وروداً في الاستديو، على خلاف العام الماضي عندما استنجدت القناة السعودية بالحسناء اللبنانية ساندرا التي شدّت المشاهدين بطلّتها المغرية وزيّها الأحمر الشبابي.
الحبّ في قناة “العقارية” مادي بامتياز. القناة المتخصصة في الصفقات والعقارات وكل ما يمتّ بالمال، لم تشذّّ عن القاعدة، فناقشت في فقراتها الصباحية تحدّيات الأسرة بين أحلام حوّاء وموازنة آدم! لكن الأمر بدا مختلفاً على الفضائية المصرية. إذ قدمت القناة لمشاهديها جرعات زائدة من الرومانسية، علّهم ينسون ليوم واحد مشاكل السياسة وهموم الرغيف. واختارت أن تلقّنهم دروساً في: “كيف تحبّ نفسك حتى تتمكن من محبة الآخرين؟”.
“فالنتاين” في الفضائية السورية، “قومي” خالص... وما المحبة إلا للجولان المحتلّ، وخصوصاً أنّ أمس صادف الذكرى الخامسة والعشرين للإضراب العام والمفتوح الذي أعلنه سكان الجولان عام 1982، احتجاجاً على قرار إسرائيل بضمّ الهضبة إليها. ولهول ما عانوه سنوات طويلة، بات الجزائريون الذين فجعوا أول من أمس بأخبار الانفجارات الإرهابية (لم يشهدوا لها مثيلاً منذ منتصف التسعينيات)، أكثر استعداداً كي لا يفوّتوا فرصة استعادة مشاعرهم الضائعة في زمن الإرهاب. حتى التلفزيون الرسمي لم يشأ أن يمنح الدمويين فرصة ترويج جرائمهم، فتعمّد أن يورد الخبر أول من أمس في شكل عابر في نهاية نشرة الأخبار الرئيسية. وصبيحة عيد الحب، كانت أوامر الجهات العليا في المحطة معروفة سلفاً: مزيد من الفن والغناء... نريد أن نعيش ونحبّ، ونبتعد عن الأخبار الحزينة.
وبما أنّ الاحتفال بالعشّاق في العراق وفلسطين مؤجل إلى موسم آخر، لم تكن هدية الفضائيات العراقية لشعبها أمس، سوى صور من أرشيف محاكمة صدام حسين. ولا تسل عن “فالنتاين” في فضائيات ليبيا والسودان: الحب كله للحكام، والهدية ببساطة برقيات تهنّئ رجال السلطة بسياساتهم الناجحة.
أما في لبنان، فقد حلّ أحمر الرايات الوطنية مكان أحمر الورود. فقد أنست حادثة اغتيال الرئيس الحريري هذا البلد عيد الحب، وخصوصاً أنّ رحيله أسال جروحاً، لا يُراد لها أن تندمل على ما يبدو. هكذا بات بلد الأرز الذي أهدى العالم أروع أغاني الحب، يهفو إلى من يعــــــــلّم شـــــــــــــعبه كيف يحب بعضه بعضاً!