بيار أبي صعب
يرد اسم ياسين عدنان مذيِّلاً واحدة من تلك المقالات التي يملك سرّها، والتي تنقل لنا أسئلة الثقافة المغربيّة وتحدياتها، قضاياها وتطلّعاتها، إبداعاتها وأسماءها المجدّدة. من هنا الحرج الذي نشعر به الآن، ونحن نوجّه تحيّة في المكان نفسه، إلى ياسين عدنان... شاعراً. لكن ما ذنبنا إذا كانت مجموعته الجديدة قد انفجرت بين أيدينا؟... تماماً كما تضعنا مقالاته عادة (على ندرتها هذه الأيّام!) في حالة غريبة من الانفعال تجمع بين المتعة والتوتّر... يكتب في كل الأحوال اللغة الفائرة نفسها، الملوّنة والمصوّرة والمشكشكة بإشارات التعجّب المستترة. يطلّ علينا بين كأسي جعة، يغمزنا عند مفترق جملة، ويعود إلى باره الرخيص.
في مجموعته الثالثة “لا أكاد أرى” (دار النهضة العربيّة ـــــ بيروت) يواصل الشاعر المغربي تيهه في “صحاري التعب”، بين “غُرف مبهمة” ومواعيد غامضة ونظرة نقديّة مسيّسة إلى المجتمع. وغير ذلك من ملاحظات وجوديّة على هامش العالم. لا تصدّقوا هذا الرومانسي ـــــ «الزلازل تشتدّ في روحه والحروب» ـــــ وكلّما استحضر «الوطن»، استتبعه بـ«البنات». إنّه كازانوفا متنكّر في ثياب دون جوان، شاعر قصيدة نثر يداعب التفعيلة، مناضل متعب («على الطريقة الطاويّة» بالإذن من عبد الكبير الخطيبي) يعيد اختراع الفرح والنشوة: «ستغنّي مناضلة/ متمرّسة بالمواعيد والصفقات/ عن سلام قريب/ سلام بعيد/ سلام/ وعن مدن تتسكّع فيها/ المجازر والمومسات/ عن سيوف تنزّ سيوفاً (...)/ عن طفلة/ ي ت ر ق ر ق/ من حلمتيها/ الوطن».
يس عدنان قارئ متمهّل للشعر. عنده نلتقي محمود درويش، وسعدي يوسف، والسيّاب. لا تسألوا كيف جمعهم. اسمعوه فقط يعبر القاموس كمن يركض في حقل سنابل. يسأل مع سناء (“فتاة القصيدة”): “من يشتري عطشي بجرعة ماء/ ومن يشتريني بسوسنة ذابلة؟”.