strong>عبد الغني طليسلا يمكن التنازل عن شروط الكفاءة لصالح شروط الجمال عند مذيعة البرامج التلفزيونية الفنية، على رغم انتشار مقياس الجمال حاكماً بأمره أكثر من مقياس الكفاءة. مذيعة هذه البرامج، لدى إدارات المحطات، عبارة عن امرأة بهية الطلة، «بتعرف تحكي كلمتين»... وانتهت القصة. وهذه النماذج متوافرة على مدّ العين والنظر، وأغلبهن مدعومات من شخصيات نافذة في الفضائيات. ما إن تُنهي إحداهن برنامجاً حتى تقدم برنامجاً آخر. وحالما تغادر محطة، تتهافت عليها، محطات أخرى. لوثة الجمال سيطرت على كل ما عداها. حتى «الكلمتين وبس» لدى المذيعة ليست مهمة أحياناً. الجمال يجذب العين، فاجذبوا ما استطعتم من المشاهدين «الكرام».
عند المذيعة جومانة بوعيد يبدو الأمر مختلفاً. وبقدر ما يلفت الانتباه طولها الباسق وهي واقفة، يلفت الانتباه حديثها وهي جالسة، إضافة إلى أسلوبها في تقديم برنامجها «مع حبي» (على شاشة «روتانا») الذي بات موعداً متميزاً مع نجوم الغناء اللبناني والعربي. وإذا كان من الضروري مقارنتها بالمذيعات العربيات العاملات في حقل البرامج الفنية، فهي في الصف الأول. الأسئلة التي توجهها إلى النجم ـــ الضيف، لا تشبه تلك التي تتردد في كل زاوية إعلامية فنية، على رغم أن الموضوع قد يكون مطروحاً في السابق. كما أن العبارات التي تختارها في الحوار، ليست مثل العبارات التي تختارها الأخريات. ثمة مسافة ثقافية فنية تبعد جومانة عن أغلب زميلاتها، وتجعلها الأكثر قبولاً لدى الجمهور. في حديث جومانة، الكثير من المعلومات الفنية والاستنتاجات والذكاء في ادارة الحوار، والانتقال من نقطة الى أخرى، ومن قضية الى أخرى. والأهم من ذلك، أن ضيفها لا يشعر بأنه مستهدَف، بل يعطيه البرنامج والمذيعة قيمة معنوية، حتى عندما تناقشه في بعض الممنوعات أو المسائل التي قد تحرجه. يصبح الممنوع مرغوباً، والإحراج مقبولاً ما دام يؤدي وظيفة إيجابية أو فائدة في توضيح الموقف...
قد، يستضيف «مع حبي» نجوماً لا «تحبهم» جومانة أو لا تعجب بنتاجهم، (ذلك يظهر نادراً). لكنها تبذل جهداً في سبيل أن تخفي مشاعرها الحقيقية تجاههم، وتعامل ضيوفها كأنما هم مقربون من مزاجها الفني. إنها حالة تعكس قدراً من الاحتراف لا غير، إذ تخفي المذيعة رأيها المسبّق بضيفها وتحيطه بنوع من الاطمئنان، من دون أن تبالغ في المحبة أو أن تقلّل من الاستكشاف والتدقيق في ما يخص تجربته. وحين تستضيف نجماً تحبه، لا تعود قادرة، حتى أمام الكاميرا، على إخفاء ذلك الحب والإعجاب. وهذه ليست نقيصة، فالذين نهوى فنونهم ليس كمن لا نهوى فنونهم، والشرط هو الحفاظ على الحد المعقول من التصرف. جومانة «معلمة» في هذا المجال. معلمة من دون مزدوجين أيضاً. معلمة في المديح، كما في الانتقاد والمساءلة الفنية...
ثمة وجه شبه بين جومانة بوعيد وبعض أنجح مقدمي البرامج السياسية في لبنان. هؤلاء، حين يحاورون ضيفاً ما يمثّل فريقاً سياسياً يؤيدونه، يمارسون، خلال المقابلة، دور «محامي الشيطان» في نقل وجهات نظر معترضة على ما يقول، من دون إغفال لحظات يتم فيها تمرير رسائل معينة بين الطرفين. وهكذا تفعل جومانة بوعيد مع فنانين تحبذهم: ترتدي زي «محامي الشيطان» وتنقل أفكاراً معاكسة من دون أن تنسى تمرير رسائل يرغبون في إيصالها الى هذا النجم او ذاك الناقد... لكن في شكل طبيعي لبق لا يبتعد عن فكرة احترام الآخر.
جومانة بوعيد ناجحة شكلاً ومضموناً. ومع ذلك، لا تعيش غروراً على الشاشة. وبعضهنّ الناجح يقع في الفخ!