ليال حداد
الخائفون من أيّ خطر إيراني أو سوري على بيروت يمكنهم أن يطمئنوا. قوات المارينز لن تترك اللبنانيين يواجهون مصيرهم وحدهم، بل ستصل هذه القوات إلى بحر بيروت وستضحّي بحياة جنودها في سبيل تحرير لبنان.
ما سبق ليس خطة معلنة للبنتاغون، بل لعبة فيديو افتراضية تدعى “close combat:first to fight”، أثارت هذه اللعبة ضجة كبيرة في أوساط الشباب، ولا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت، إلى أن تمّ سحبها أخيراً من متاجر الضاحية، ولكنها تلقى رواجاً كبيراً في عواصم غربية. “المدافعون العظماء عن السلام هم أولئك الذين يعرّضون حياتهم للخطر عندما تندلع الحروب”. بهذه العبارة تبدأ اللعبة. وهي أيضاً شعار القوات الأميركية، وفكرة تسعى الولايات المتحدة إلى الترويج لها في العالم.
بيروت، وفق اللعبة، عاصمة تعمّها الفوضى والعنف والانقسامات بعدما استغلت مجموعة إسلامية متطرفة سفر رئيس الوزراء اللبناني الى الخارج لفرض سلطتها على عدد من المناطق. وتقابلها مجموعة أخرى تفرض سلطتها أيضاً على عدد آخر من شوارع بيروت بهدف الدفاع عن الشرعية.
من هي هذه القوى المتصارعة؟ الإجابة بسيطة. فالمجموعة الأصولية هي مجموعة شيعية، قائدها رجل دين يضع عمامة سوداء. أما المجموعة التي تدافع عن الشرعية فهي مجموعة مسيحية، يضع قائدها قبعة رعاة البقر الأميركية ويرتدي بزة زيتية اللون شبيهة بتلك التي كان مقاتلو القوات اللبنانية يرتدونها خلال الحرب الأهلية.
وفي مرحلة ثانية من اللعبة، قوات إيرانية وسورية تغزو شوارع بيروت لمساعدة المجموعة الشيعية. وهنا يتدخل اللاعب فيدير أربعة جنود من المارينز عملية المساعدة على تحرير بيروت بقتل أعضاء “المحور السوري ــ الإيراني”! ويبدو أن مصمم اللعبة على اطّلاع كبير على الطبيعة الجغرافية والسياسية في لبنان. إذ تبدأ المعركة الأولى في منطقة فرن الشباك، حيث تقوم المجموعة الشيعية بقتل المدنيين بمصاحبة أصوات التكبير والمآذن. وتعلّق على الجدران صوراً وملصقات خاصة بحركة “أمل”.
ويتمّ الانتقال من مرحلة الى مرحلة عبر موجز للأخبار تبثّه محطة “اي.ان.ان” الإخبارية الافتراضية، تطلع اللاعب على آخر التطوّرات، وبالتالي طبيعة المهمّة الجديدة في المرحلة التالية. لا تخلو اللعبة من المفاجآت. فقائد المجموعة المسيحية (حليف المارينز) يتحوّل مع مرور المراحل الى متواطئ مع الجيش السوري.
تنتهي اللعبة وفق الطريقة الأميركية “السعيدة” بأسر أو قتل المطلوبين، وانتشار الدبابات الأميركية في ساحة الشهداء.
ويرى العديد من المختصين والمراقبين أن خطر هذه اللعبة يكمن في تشابهها مع لعبة “عاصفة الصحراء” التي أنتجها الأميركيون قبل غزو العراق في جزءين. وتدور الأحداث عام 1991 بعد غزو العراق للكويت. وتدّعي اللعبة أن هدفها هو تحرير العراق من هيمنة صدام حسين “الطاغية الإرهابي” الذي لا ينفكّ يقتل شعبه والشعب الكويتي، وتهدف أيضاً إلى منع العراق من تصنيع أسلحة دمار شامل وحماية النفط العراقي. وهذه الأهداف، يسعى جنود من القوات الأميركية وجنود بريطانيون إلى تحقيقها، ويحركهم اللاعب تحت شعار: حماية الحرية.
وتظل المهمات المطلوبة غير متوقعة تفاجئ اللاعب في مختلف المراحل، وهي مهمات خطرة. وتدور معظم أحداث اللعبة في العاصمة العراقية بغداد. والنجاح في اللعبة يظهر في النهاية أن العمل العسكري الجماعي هو الذي يضمن الانتصار على العدو العراقي. يقطع جندي أميركي جسر يصل الكويت بالعراق، فيتم أسره وقتل رفيقه. ترسل القوات الأميركية جندياً لتحرير رفيقه من “الإرهابيين”. وبالطبع ينجح الجندي في مهمته ويكمل عملية تدمير الجسر التي بدأها رفيقه. ومن هنا تتنوع المهمات المطلوبة من الجنود، ومنها تحرير أمير الكويت ومحاربة الحرس الجمهوري للرئيس العراقي.



صعوبة العودة إلى الواقع
نشرت مجلة “psychologies” الفرنسية دراسات حول تأثير الألعاب الإلكترونية على اللاعبين، والمدمنين عليها بشكل خاص. ونقلت الدراسة شهادات لاعبين محترفين تخلّصوا أخيراً من عادات اللعب لساعات طويلة يومياً. وقال هؤلاء إنهم وجدوا صعوبات كبيرة “للعودة إلى الواقع”. فقد صدّقوا العالم الذي تخلقه هذه الألعاب واعتادوا على سرعة إيقاعاته، وأضافوا: إن أصحاب الإرادة الصلبة وحدهم يستطيعون التخلص من الإدمان على الألعاب الإلكترونية. ومن الشهادات ما أدلى به دافيد (21 عاماً)، فقال إنه بعد “رحلة علاج” طويلة اكتشف أن العالم الحقيقي غنيّ وأن من يختار العالم الافتراضي سيعاني حتماً مشاكل تنجم عن انفصاله عن الواقع.