القاهرة ــ محمد خير
  • المسرح التجاري في مصر: نهاية العصر الذهبي؟
    لقد ولّى زمن وصلت فيه إيرادات بعض العروض التجاريّة في مصر إلى 20 ألف دولار، في الليلة الواحدة... نور الشريف ونبيلة عبيد وليلى علوي ومحمود حميدة يتزاحمون اليوم على أبواب مسرح الدولة

    مع بداية الموسم المسرحي الجديد، يعيش المسرح المصري، وتحديداً ما ينتمي منه إلى القطاع الخاص، وضعاً جديداً من نوعه. إذ يكاد مسرح القطاع الخاص المصري أن ينقرض، فيما انتابت مسرح الدولة انتعاشة مفاجئة، لم يشهد مثلها منذ عقود طويلة.
    مع بداية عام 2007، تتصاعد أزمة المسرح الخاص في مصر. صحيح أنّ هذه الأزمة مستمرة منذ سنوات، لكنّها شهدت أصعب مراحلها عام 2006: فمن بين 120عرضاً مسرحياً شهدها ذاك العام، كان نصيب المسرح الخاص منها ستة عروض فقط! علماً أنّ من بينها مسرحية “بودي غارد” للزعيم عادل إمام، التي عرضت للعام السابع على التوالي، ومسرحية “دوري مي فاصوليا” للفنان سمير غانم وعرضها مستمر منذ خمسة أعوام. وكلا النجمين أي عادل إمام وسمير غانم، له جمهوره الخاص الذي يذهب لمشاهدته تحديداً حتى لو كان يقدم خيال الظل.
    في المقابل، يشهد مسرح الدولة والقطاع العام بفرقه المتنوعة، ازدهاراً غير مسبوق، وتتوالى المسرحيات وتوقيع العقود لعام 2007. إذ تعاقد نور الشريف مع المخرج منير مراد على بطولة مسرحية “اللجنة” المأخوذة عن رواية لصنع الله إبراهيم تحمل ذات الاسم. أما ليلى علوي فتعاقدت مع المسرح القومي لتقديم نص لشكسبير، وهو “الليلة الثانية عشرة” من إخراج هاني مطاوع. وعلى الخشبة ذاتها، يقدم محمود حميدة وسميحة أيوب مسرحية “الشبكة” لبرتولد بريخت وإخراج سعد أردش. واختارت نبيلة عبيد أن تقدّم “إيفيتا” لأندرو لويد من إخراج سمير العصفوري. ويعود المطرب علي الحجار إلى المسرح من خلال “اليمامة البيضاء”، وهي مسرحية غنائية من إخراج حسام صلاح. أما محمود الجندي فسيتولى بطولة مسرحية “واحد جدع” من تأليف الراحل نجيب سرور.
    المسرحيات الجديدة تعد استثماراً لما حقّقه مسرح الدولة في الموسم الماضي الذي تزعمه النجم يحيى الفخراني للعام الخامس على التوالي، بمسرحيته “الملك لير” لشكسبير ومن إخراج أحمد عبد الحليم. وقد شجعت “لير” مخرجين آخرين على إعادة عرض مسرحياتهم. هكذا، قام المخرج عصام السيد بإعادة عرض مسرحيته “أهلا يا بكوات” من بطولة حسين فهمي وعزت العلايلي. وكذلك فعل المخرج مراد منير الذي أعاد عرض “الملك هو الملك” بطولة محمد منير وصلاح السعدني. أما “قاعدين ليه” لسعيد صالح والمخرج حسام الدين صلاح، فقد استمر نجاحها للموسم الثالث على التوالي. وحقّقت جميع المسرحيات المذكورة إيرادات جيدة وعرضت لمدد راوحت بين 40 و70 ليلة عرض. تضاف إليها مسرحيات نجحت في موسمها الأول، منها “بيت الدمية” للمخرج علي خليفة وبطولة بوسي وأشرف عبد الغفور، “نساء السعادة” للمخرج حسن عبد السلام. أما مسرحية “القضية 2007” للمؤلف يسري الجندي والمخرج حسن الوزير وبطولة سوسن بدر، فاستمرت أسبوعين على مسرح الهناجر تحت شعار كامل العدد، قبل أن تتوقف فجأة الأسبوع الماضي بفرمان مفاجئ من الدكتورة هدى وصفي مديرة المسرح. وثارت ضجة يومئذ بسبب شائعات تحدثت عن اعتراضات أمنية، قيل إنها هي التي تسبّبت بإيقاف المسرحية التي تنتقد إسرائيل بشدة.
    أما في عيد الأضحى الماضي، فقد نافس مسرح الدولة نفسه، من خلال تسع مسرحيات، منها “البهلوانات” بطولة محمد رياض وإخراج هشام جمعة و“ما تقلقش” للمخرج جمال عبد الناصر و“كيد النسا” بطولة سلوى خطاب. المسرحيات السابقة هي نماذج من عشرات المسرحيات التي جلبت أرباحاً متنوعة لمسرح الدولة.
    أما المسرح الخاص، فقد بلغت به الحال أن راحت بعض الفرق تقدم عروضها يومين في الأسبوع لتقليل التكلفة، وانتهى العصر الذهبي الذي كانت فيه بعض مسرحيات القطاع الخاص تحقق إيرادات تبلغ أو تتخطى 100 ألف جنيه في الليلة الواحدة (20 ألف دولار أميركي). وعندما كان النجوم يتنافسون بمسرحياتهم الخاصة، من محمد هنيدي إلى فيفي عبده، أشرف عبد الباقي والراحل علاء ولي الدين، ومن سيد زيان إلى محمد نجم، توقّف فنانون كبار منذ سنوات عن المسرح، على رأسهم محمد صبحي الذى اتجه إلى التلفزيون.
    ومع أن ارتفاع أسعار تذاكر المسرح الخاص لعب دوراً في الأزمة، إلا أن الجمهور الحقيقي لذلك المسرح كان الجمهور الخليجي. ولذلك، كانت العروض تزدهر أثناء إجازة الصيف التي تمثّل موسم السياحة العربية. لماذا اختفى هذا الجمهور ؟ ترتبط الإجابة بظاهرتين هما السينما الشبابية والفيديو كليب. إذ لم يعد العربي ـــ والمصري طبعاً ـــ مضطراً إلى دفع تلك المبالغ الخرافية من أجل ساعتين من الضحك بعدما أصبحت الكوميديا هي القاعدة في السينما الشبابية التي يتزايد إنتاجها سنوياً بل يصل إلى عقر دار المتفرج. أما الفيديو كليب فقد وفر له كل “العري” الذي كان يبحث عنه في “بعض” مسارح القطاع الخاص الذي حوّل مفهوم “الكباريه السياسي” إلى “كباريه” فقط، وكان المكان الوحيد الذي يسمع فيه كل تلك البذاءات الجنسية من دون أن يعتقله بوليس الآداب!
    ويبقى أنّ أغرب ما في أزمة المسرح التجاري أنّها الأزمة الوحيدة التي عادت بأثر إيجابي على الفن الذي تمثّله. فمع أزمة المسرح الخاص، انتعش مسرح الدولة. وعلى رغم مشكلات هذا الأخير، إلا أنه يضمن على الأقل الحد الأدنى مما يسمّى فنّ المسرح!