جوان فرشخ بجالي
في 17 تشرين الثاني من عام 1760 أبحرت سفينة لوتيل (L’Utile) من جزيرة مدغشقر في اتجاه جزر موريس. وكانت محمّلة بالمؤن من أرز ولحوم وماء، وتألف طاقمها من 122 بحاراً وكان على متنها أيضاً أكثر من 150 شخصاً من سكان الجزيرة وكانوا قد أخذوا “عبيداً” بعدما قرر القبطان بيعهم على رغم أن تجارة الرقيق كانت قد مُنعت. الرحلة لم تطُل. فالباخرة غرقت بمن فيها قبالة شواطىء جزيرة تروملين المعروفة اليوم باسم جزيرة الرمل (Sable) لأنها أرض قاحلة لا ينبت فيها شجر ولا عشب، وذلك بسبب قوة الأعاصير التي تضربها دوماً. نجا طاقم السفينة من الغرق ونجا معهم 88 “عبداً” فقط تمكنوا من مغادرة السفينة، أما الباقون فكانوا محجوزين في غرف مسمّرة أبوابها لم يفتحها أحد.
ولم تنته المأساة عند هذا الحد. فقد بنى بحارة السفينة لأنفسهم زوارق وتركوا الأرض القاحلة هذه في اتجاه جزر الموريس تاركين “عبيدهم” لمصيرهم، ولم ينسوا أن يعدوهم بأنهم سيعودون وينقذونهم قريباً.
لكن عندما وصل البحارة “إلى أرض آمنة” رفض حاكم جزر موريس تلبية طلبهم بإرسال باخرة لإنقاذ العبيد الذين عاشوا على أرض الجزيرة القاحلة مدة خمس عشرة سنة. في انتظار سفينة رست بعد طول انتظار قربهم بالصدفة وأخذت على متنها ثمانية ناجين هم سبع نساء ورضيع عمره ثمانية شهور.
وكادت هذه المأساة تصبح قصة منسية لو لم يقرر فريق من علماء الآثار الفرنسيين إعادتها الى الحياة عبر التوجّه إلى الجزيرة وإقامة حفريات أثرية في الأرض وفي جوف المياه. وكان هدف هذا المشروع هو معرفة كيف تمكّن الناجون من الحياة طوال هذه المدة.
وبعد 120 عملية غطس للبحث عن أنقاض السفينة تمكن علماء الآثار من استخراج المدافع، وذلك على رغم الظروف المناخية الصعبة والبحر الهائج دوماً. أما بالنسبة إلى الحفريات الأثرية على أرض الجزيرة، فقد عثر العلماء من خلالها على الفرن الذي استعمله الناجون وبعض بقايا مساكنهم. ويقول رئيس البعثة ماكس غويرو “بأن تلك المنازل مبنية من حجارة صخرية مرصوص بعضها إلى بعض بشكل صلب لتتحدى الأعاصير. وكان الناجون قد استخرجوا من السفينة الغارقة بعض الأواني النحاسية لاستعمالها للطبخ وضروريات الحياة”.
وكانت النساء الناجيات قد أخبرن أنهن أبقين النار مشتعلة طوال 15 سنة، وأنهن كن يرتدين فساتين صنعنها من الريش ويأكلن الصدف وصغار العصافير والسلاحف. ولم يأكلن الأسماك، لأن الصيد شبه مستحيل في هذا البحر الهائج.
عمل البعثة الأثرية الفرنسية لم يتكلل بالنجاح المطلوب بحسب صحيفتي Libération وLe Monde لأن أعضاءها لم يعثروا على قبور ثمانين “عبداً” قضوا على الجزيرة خلال الفترة التي أمضوها على أرضها. ولذا سيعاود علماء الآثار عملهم السنة المقبلة وسيحملون معهم الأدوات اللازمة. ويُدرج عمل البعثة في إطارين: الأول علمي وهو معرفة كيف يتأقلم البشر مع ظروف الحياة الأكثر قساوة على جزيرة. أما الهدف الثاني فهو إنساني يعلنون من خلاله الرفض القاطع لتجارة الرقيق.