strong> مهى زراقط
إلى أي حد يمكن الصحافي التعبير عن آرائه السياسية؟ ولو في جلسات مغلقة؟ هذا السؤال المطروح بجدية اليوم على الساحة المحلية ــ بعدما تحول معظم وسائل الإعلام إلى منابر خاصة بمالكيها ــ حُسم في فرنسا منذ أيام مع قرار توقيف المحاوِر السياسي الشهير آلان دوهاميل Alain Duhamel عن العمل طوال فترة الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
القصة بدأت في 27 تشرين الثاني 2006 عندما أعلن دوهاميل في جلسة حوار مع 150 طالباً في كلية العلوم السياسية أنه سيدلي بصوته، خلال الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، لمرشح “الوحدة من أجل الديموقراطية” فرنسوا بايرو (وسط اليمين). جاء هذا الإعلان في معرض انتقاده حملة بايرو نفسه في المعركة الانتخابية الدائرة حالياً، وذلك بحضور مارييل دوسارنيز، مديرة تلك الحملة.
كان يمكن الخبر أن ينتهي عند هذا الحد، لولا أنّ الحوار كان مسجّلاً من دون علم دوهاميل. وجاء احتدام المعركة الانتخابية وإنشاء مدوّنات خاصة بالمرشحين للرئاسة ومناصريهم، ليجعله المادة الأكثر تداولاً على مواقع الإنترنت منذ 5 شباط الجاري. في ذلك اليوم، “بادر” رئيس قطاع الشباب في “الوحدة من أجل الديموقراطية” لودوفيك غيلشر إلى نشر الفيديو على الموقع الإلكتروني الجديد لحزبه (www.jeunesudfparis.fr) بهدف الترويج له، وهذا ما حصل. ويتضاعف يومياً عدد زائري الموقع كما المواقع الرديفة، وأشهرها (Daily motion) الذي يروّج أيضاً لسيغولان رويال ويواكب حملتها الانتخابية. انتشار فيديو تصريح دوهاميل دفع كل من إدارتي “فرانس تلفزيون” وراديو RTL إلى توقيف الإعلامي الشهير عن ممارسة عمله محاوراً في “فرانس 2” ومحللاً في RTL، طوال فترة الانتخابات الرئاسية الفرنسية. إذ لا يمكن لدوهاميل أن يكون موضوعياً في حواراته السياسية بعدما أعلن انحيازه إلى مرشح محدّد.
الطريف في الأمر أن دوهاميل لا يحسن استخدام الكومبيوتر، ولا تربطه أي علاقة بالتكنولوجيا الحديثة والإنترنت. وهذا أكثر ما أزعجه في القضية، وإن أبدى تفهمه لقرار إدارتي التلفزيون والراديو. تفهّم وصل إلى حدّ الاعتذار والإقرار بالمسؤولية: “لم يكن يجدر بي قول ذلك، حتى لو كانت الفكرة التي في ذهني مختلفة... ما حصل أنني قلت هذا الكلام، وأتحمّل المسؤولية”، يوضح في مقابلتين أجريتا معه، علماً أنّ “حرارة النقاش مع مارييل دوسارنيز جعلتني أندفع وأقول إنّي أحب فرانسوا بايرو وسأنتخبه، وفي ذهني أننا متفقان على السياسة الأوروبية...”.
يثير هذا الحدث الذي يشكل مادة دسمة للإعلام الفرنسي اليوم، الكثير من الأسئلة عن حق الصحافي في الإدلاء بآرائه السياسية، عن “حياده” و“موضوعيته” من جهة، وحقّه كمواطن من جهة ثانية. لكن القضية تُثار في فرنسا حيث شكّل رأي دوهاميل “السياسي” ظاهرة... لا في لبنان حيث القاعدة، التي لا يمكن “مساومة” الكثير من الإعلاميين عليها، هي تمسكهم بحقهم في التعبير العلني عن ولاءاتهم السياسية.
حقيقة القول أنه لا غرابة في الأمر، إذ لا يعدو أكثر من كونه اختلافاً “ثقافياً” أو “معرفياً” يتعلق بفهم الصحافيين، هنا وهناك، لطبيعة مهنتهم. في فرنسا الإعلام مستقل عن السلطة، قادر على نقدها... إنّه السلطة الرابعة حقاً. أما في لبنان، فيعرف الصحافيون أيضاً أن لهم سلطة، لكنهم يخضعونها لسوق المساومات... هي ليست سوى سلطة قابلة للتجيير.