جوان فرشخ بجالي
كينيا على خطى بعـــــــــض المقاطعات الأميركية التي هاجم مسؤولون فيها نظرية داروين عن “النشوء والارتقاء”. فقد “اندلعت” أخيراً في البلد الافريقي خلافات مصدرها الرفض القاطع لنظرية تطور الاجناس والتأكيد على القبول التام لنظرية الخلق. وقد ظهر هذا الاختلاف الحاد في كينيا حين طلب الاسقف بونيفاس ادويو، وهو رئيس 32 كنيسة انجيلية في كينيا، من اتباعه مقاطعة معرض المتحجرات الذي يحضر له المتحف الوطني، وصرّح بأن “نظرية التطور تقتل ايمان ابناء طائفته، وبأنه يرفض أن يعدّ نفسه منحدراً من هذه المتحجرة او تلك”.
الخلافات في كينيا تترافق مع بدء التحضيرات لإقامة معرض المتحجرات التي تنفرد بها البلاد والتي يزيد عددها على 160.000 قطعة، وستُعرض في قاعات متحف كينيا الوطني ابتداءً من شهر تموز المقبل. وكان المتحف قد حصل أخيراً على هبة من الاتحاد الاوروبي بلغت 10.5 ملايين دولار لترميم مبناه وتطويره.
ومن القطع التي ستعرض في المتحف متحجرات لزرافات رقابها قصيرة، وأخرى لفيَلة، وبقايا ديناصورات، وعظام لبشر عمرها 7 ملاين سنة. وأهمّ قطعة في هذا المتحف بقايا الجمجمة والعمود الفقري لولد عمره 12 سنة توفي منذ 1.6 مليون سنة في منطقة التوركانا شمال كينيا وبقي مدفوناً تحت الاتربة حتى عثر عليه العلماء عام 1984. وهذا الهيكل العظمي الذي يطلق عليه العلماء اسم ولد التوركانا او Turkana boy بالغ الاهمية، اذ إنه يعطي صورة واضحة عن ملامح الوجه وتقاطيع الجسم في تلك الفترة والتي تختلف بطبيعة الحال عن الشكل الحالي للانسان. وسيكون “ولد توركانا” محور المعرض، فهذا الهيكل العظمي فريد من نوعه في العالم.
ويعتقد المتخصصون أن متحف كينيا سيكون بمثابة اكبر صالة عرض عالمية تؤكد نظرية التطور بشكل حسي وملموس. وتقول النظرية إن كل ما هو حي قابل للتغيير والتأقلم مع البيئة، وإن الإنسان لم يولد بشكله الحالي بل “تطور” عبر الزمن وبحسب حاجاته ليصل الى ما هو عليه اليوم. اما نظرية الخلق، فهي تعتمد على الكتاب المقدس الذي يصف كيف خلق الله العالم والانسان في ستة ايام. وغنيّ عن القول إن مؤيدي نظرية الخلق يرفضون اي علم يبحث في التاريخ لإعطاء تفسير آخر للوجود على الارض مثل علم الآثار وعلم المتحجرات. لا بل يذهبون ابعد من ذلك، فالأسقف اوديو الذي قد يصل عدد اتباعه الى 10 ملايين شخص، يرى أن عمر الارض هو 12000 سنة فقط. ولا يتنبه الأسقف إلى أن متحف كينيا الوطني الذي لا يبعد عن مقر اقامته كثيراً، يعرض متحجرات يزيد عمرها على 200 مليون سنة، أي أنها تعود لحقبة كانت القارات خلالها لا تزال متلاحمة.
ومن المحزن أن تعيش كينيا اليوم هذا الجدل، فهذه الدولة الواقعة على الساحل الشرقي لافريقيا، هي “معقل” المتحجرات التي تفسر تطور اشكال المخلوقات الحية على الارض.