كامل جابر
يعلّق علي أمين رمضان أوسمته الفرنسية الثلاثة، مستعرضاً لحظات من حروب خاضها من ليبيا حتى فرنسا، جندياً مقاتلاً في صفوف جيش هذه الأخيرة، ويتذكر تلك اللحظة المميزة في حياته، ملهمة أوسمته، حين أنقذ كتيبته من إبادة محتمة على جسر “أفنهايم” عند نهر “الرين”. وكان حينها لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر. كانت كتيبته على بعد نحو عشرين كيلومتراً من باريس، حين هاجمتها الطائرات الألمانية، ويروي رمضان: “قسمنا قائد دفيربون بلان ديه، الجنرال لو كلير ثلاث فرق، وكان هدفنا الوصول إلى باريس قبل الأميركيين. وسحقنا من في طريقنا، ثم دخلنا من “فرساي” وسيطرنا على باريس، وصولاً إلى مطار “بورجيه”، حيث قام العدو بهجوم صاعق. بعد خمسة أيام بدأنا نتجه شمالاً، دخلنا “الإلزاس لورين” بعد “ترانس بور”، وكنا قد كُلّفنا بالسيطرة على “الجسر”.
كان رمضان في فرقة الهندسة التي أسرت نحو ثمانين من “جيش العدو”، وطلب قائد المجموعة تركهم والمتابعة نحو الجسر.
ويتابع رمضان حديثه ويقول: “وصلنا فوجدنا دبابتين، وقفنا خلفهما، استغربتُ كيف أن الأعداء تركوا جسراً بطول مئتي متر أو أكثر، قريباً من حدود ألمانيا. أتى قائد الحظيرة وسألني ماذا تفعل هنا؟ قلت أريد أن أرى الجسر، فردّ: من يده في النار ليس كمن يده خارجها. نظرت نحو حرج صنوبري، وارتبتُ في حركة رجل ظننته مصاباً، فأردت أن أكسب حسنة فيه، فنزلت نحوه ثلاثين متراً، وتعثّرت بسلك للتفجير، فقطعته، ثم بسلك ثانٍ فثالث، وأخذت حذري متابعاً السير نحوه، لأجده يجهّز عدة التفجير. ماذا تفعل؟ لم يتحرك، فنهرته بالبندقية ولم يعبأ. شددته بـ“قبّته” والزنار ورفعته، مع العلم بأن وزنه يضاعف وزني، رفعته مترين، قفز نحوي كالنمر، فكانت حربة بندقيتي في صدره، فتوقف وهو يحمل رزمة خرائط”.
لم يبق علي رمضان وحده في المكان، إذ تراكضت نحوه فرقة مع قائدها الذي طلب من جنوده أخذ الأسير والخرائط والأجهزة، ولم يعر رمضانَ أي اهتمام. “ساروا نحو أربعين متراً وعزت عليّ نفسي، فأخذت بندقيتي، وجهّزتها وصرخت بهم: توقفوا! ولا تقوموا بأي حركة، وقلت للقائد أعطِ أمراً بترك الأسير وبأن يعود الجنود إلى الدبابات من دون الالتفات إلى الوراء، فنفذ ما طلبته. أخذت الأسير الذي نبّهني إلى كبسولة ستنفجر برفاقي بعد قليل، فنبّهتهم بدوري وعثرنا على المتفجرات تحت الجسر”.
حاول قائد الفرقة أن ينسب ما حصل إليه، “وقال إن العربي أخذ الأسير منا، فردّ الضابط: عندما تخرّجت، ألم تقسم يميناً، فلماذا تكذب؟ ثم طرده. بعدئذ حصلت على تنويه من الجنرال ديغول ووسام السعفة الفرنسية، لكن بعدما جعل الضابط شريكاً لي في العملية”.
لم يحصل “أبو أمين” على تعويضه “بل على ثلاثة أوسمة، فمنذ عشر سنين، تقوم الدولة الفرنسية بتكريمه مع أتراب له، منهم: حسين فواز من الغسانية وعلي شمس الذي هو الآخر في النبطية، وعاطف جعجع الذي يقطن حالياً في عبرا شرقي صيدا. والتكريم كناية عن رحلة ترفيه، ودعوة إلى مأدبة غداء، و“بعض المصاريف”.