بيار أبي صعب
كان الشيخ الثمانيني في فراشه، حين دق باب بيته في الرملة البيضاء. ثلاثة “زوّار”. سألوا “فينا نشوف الأستاذ؟”. طبعاً، أجابت أم نزار، فالأستاذ لطالما كان بابه مفتوحاً، حتّى على فراش المرض عند عتبة الثمانين. قادتهم إلى غرفته. لحظات قليلة، وكانت الطلقات قد أفرغت في جسد الشيخ الوقور الذي فتح على مصراعيه باب القراءة الماديّة للتاريخ الفكري الاسلامي.
في السابع عشر من شباط (فبراير) 1987 ــــــ أي قبل عشرين عاماً ــــــ اغتيل المفكر اللبناني حسين مروّة في بيروت، “على يد مسلّحين مجهولين” حسب العبارة الشهيرة، في سياق حملة دمويّة طاولت آنذاك عدداً من المفكّرين الشيوعيّين بينهم مهدي عامل. واليوم في زحمة الموت، ورعب العنف الأهلي الكامن، لم يكد أحد يستعيد المناسبة أو ينتبه إليها. من يتذكّر صاحب “النزعات المادية في الفلسفة العربية والاسلاميّة”؟ من سمع باسمه من أبناء الجيل الجديد الباحثين عن وطن في مكبّ نفايات الطوائف؟
أشياء كثيرة (هي بين القليل المتبقّي من جذوة الروح) لم تكن لتكون على حالها اليوم، لولا الدور المفصلي الذي لعبه في الحياة الفكريّة والسياسيّة العربيّة. سافر ابن الشيخ من جبل عامل إلى العراق عام 1924، لدراسة العلوم الاسلامية في جامعة النجف. وهناك التقى كارل ماركس، حسب عنوان أحد كتبه... بعد أن حطّت بين يديه نسخة من “البيان الشيوعي” ــــــ حسبما تقول الحكاية ــــــ فاكتشف مبدأ العدالة الاجتماعية. فصول يرويها في مذكّراته الكاتب كريم مروّة، ابنه الروحي الذي صار شيوعيّاً على يديه، في النجف أيضاً!
حسين مروّة، صاحب “دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي”، رفيق فرج الله الحلو وأنطون تابت ومحمد دكروب الذي بقي يشرف على مجلّة “الطريق” حتى اغتياله... نتذكّره اليوم كمن يتمسّك بأحلامه المضيئة... كي لا يبتلعنا الظلام.