مهى زراقط
عندما انكبّ خميّس الخيّاطي على تدوين رصده لتجليات “الخطاب السلفي” على الفضائيات العربية، هل كان الناقد السينمائي والإعلامي التونسي يكتب أم يصرخ؟ سؤال لا يمكن إلا أن يراودك وأنت تقرأ كتابه “تسريب الرمل: الخطاب السلفي في الفضائيات العربية”. الصادر حديثاً عن دار “سحر” للنشر. هذا الكتاب الذي يجمع مقالات سبق أن نشرها الخيّاطي في جريدة “القدس العربي”، مضيفاً إليها هوامش وتعليقات، يعرّي واقع الفضائيات العربية بدءاً من تونس (وطن الكاتب) وصولاً إلى السعودية.
“الأميّة البصرية”، “الخطاب الرجعي والأصولي والبدائي”، “نفاق العرب”، “بدع العرب”... هذه نماذج من المصطلحات التي يستخدمها خيّاطي في معرض الإشارة إلى “الرمل الذي تسرّبه بعض القوى السلفية المتطرفة إلى عقلية الإنسان العربي كبديل للكائن السياسي المتشبث بالسلطة في أوطاننا”. هذا الكائن السياسي هو الذي “همّش المثقفين”، وعزز “القمصان البيض بطبقة من المرتزقة ليخلع عن المجتمعات العربية مناعتها ويرسي فراغاً ما كان للخطاب السلفي (الإسلامي وغير الإسلامي) إلا أن يستغله ليعرض نفسه كبديل حتمي”. وهو بديل تلجأ إليه شرائح مختلفة من المجتمع العربي “جراء غياب الحرية من جهة، والغلاف الاتصالي البراق من جهة ثانية والاعتماد على قوة مالية صلبة وعلاقة أُخطبوطية من جهة ثالثة”. من هنا يجهد الخيّاطي في متابعة البرامج الدينية التي غزت الفضائيات العربية، ولا سيما الخليجية منها ، وقد باتت “بوقاً دعائياً للأصولية الشيك التي تعمل على مهاجمة العلمانية العربية واتهامها بأبشع التهم حتى الخيانة لعروبتها وتحميلها مسؤولية الهزائم العربية”.
الا أنّ النقد لا يقتصر على الخطاب الديني، بل يتعداه إلى البرمجة المعتمدة التي تغيب عنها الثقافة بشكل ملحوظ، كما تغيب اللغة العربية وخصوصاً في المحطات المغربية. ويشير في هذا الإطار إلى الدور الذي تقوم به بعض الفضائيات الغربية للمحافظة على تاريخنا وذاكرتنا، من خلال عرضها أفلام وثائقية معنية بقضايا العرب.
خميّس الخيّاطي الذي يحرص في معظم فصول الكتاب على تحديد وظائف المرئي (باب مفتوح على معرفة الآخر، التواصل والترفيه...)، لا تفوته الإشارة إلى الأهداف الخفية التي يطمح أصحاب الفضائيات إلى تحقيقها: “حين نعلم أن غالبية القنوات الغنائية العربية هي ملك لرساميل خاصة سعودية، بمساعدة مالية رسمية سعودية، وتقنية فنية مصريّة، نفهم أن الغرض من الأغنيات الخليعة ليس التجارة فقط. بل بسط النفوذ السعودي على العالم العربي إن بالإخباريات أو بالجامعات أو بالغنائيات”.
“تسريب الرمل...” الذي قدّم له المسرحي الفاضل الجعايبي، كتاب يتضمن الكثير من التفاصيل والأرقام والمعلومات. الا أن ما يؤخذ عليه، إضافةً إلى السخرية الجارحة أحياناً، “كسل” مؤلفه في إعادة صياغة مادته الغنية بتسلسل علمي مترابط يجعله مرجعاً لكل إعلامي أو باحث في مجال الإعلام.