حسين بن حمزة
في مجموعتها الجديدة، “تواضعت أحلامي كثيراً” (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ــــــ 2006)، وهي الخامسة لها، تستخدم الشاعرة الكويتية سعدية مفرّح لغةً بسيطةً في إنجاز قصيدتها، لغة شفافة تبتعد عن التعقيدات الأسلوبية وتتحاشى الغموض الذي غالباً ما ينجم عن سوء تفاهم بين النبرة التي يُكتب بها الشعر والعبارة الشعرية نفسها. لكنّ البساطة اللغوية التي قد تبدو أحياناً خياراً إيجابياً، تنسحب عند سعدية مفرّح على مجمل مشاغل كتابتها. وهذا يعني أنّ القارئ لا يجد طموحات ذاتية واضحة وقوية على صعيد الصورة والكثافة والموضوعات، ولا مزاجاً خاصاً في البحث عما هو مفاجئ ومستجد شعرياً أو، على الأقل، عن موجودات شـــــــــعرية لم تهترئ من الاستعمال المتكرر.
تكتب سعدية مفرّح قصائدها على شكل مقاطع، منفصلة ومتصلة في الوقت عينه، وغالباً ما تكون هناك مفردة أو حالة مسؤولة عن إنجاز القصيدة كلها، فنجد المفردة أو الحالة تتكرر في بداية كل مقطع من مقاطع القصيدة الواحدة. هذا ما نراه منذ البداية في القصيدة التي حملت المجموعة عنوانها، حيث تستهل الشاعرة كل مقطع بمفردة “أريد”، كما هي الحال في المقطع 16: “أريد فيلماً بالأبيض والأسود / أغني مع بطلته / أتخيلني بكنزتها الضيقة / وتنورتها الفضفاضة / أمسح دمعتها / وأضحك من سذاجتها / حتى أبرر سذاجات تاريخي كله”.
فكرة التكرار تستمر في قصائد أخرى بمفردات مثل: الرسائل، مرحبا، صورة، شرفة، كلمات... وهو ما يشير إلى رغبة واضحة لدى الشاعرة للدخول بطرق مختلفة إلى العالم ذاته الذي تعنيه مفردة ما. كأنها، بهذا المعنى، تقلب المعنى الواحد على وجوهه الكثيرة، بالتزامن مع التوغل في الوجوه الكثيرة للحالة النفسية والشعرية التي ترافق هذا التقليب.
ما يميز مجموعة سعديّة مفرّح الجديدة، إضافة إلى البساطة، هو الصدق والواقعية. القصائد مكتوبة بأسلوب من تخاطب نفسها أكثر من القارئ. هناك نبرة حميمة تمتد على غالبية القصائد، وثمة ميل إلى المحافظة على الدفقة الأولية التي يأتي بها الشعر عادة. الأرجح أن هذا يبرر ما قلناه عن غياب الطموحات الأسلوبية وضآلة الخيال الخاص، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية بشأن الرصيد الشعري الذي راكمته الشاعرة بعد خمس مجموعات شعرية. البساطة والحميمية لا تكفيان لتحويل الكتابة إلى شعر. الشعر لا يستطيع الطيران بهذين الجناحين. وحين لا تتوافر صور شعرية ملتقطة بذكاء، وحين لا نجد سعياً لاجتراح نبرة لها خصوصية ما، فإن الشعر “يتواضع كثيراً” إذا استعرنا عنوان المجموعة لوصف ما هو مكتوب فيها.