strong>إسماعيل طلاي
كانت الحلقة الأخيرة من برنامج “الاتجاه المعاكس” على قناة “الجزيرة” مميزة بكل المقاييس. استضافت مفكرين من “إيديولوجيتين متصارعتين”، ضمن ما يوصف بـ“حوار الحضارات”. وتبيّن مجدداً كم أن كثيراً من المفكّرين العرب يتحاورون بمنطق العاطفة الانفعالي حتى عندما يكونون أصحاب حق. فيما يتميز المفكرون الغربيون بالهدوء، ويحسنون استغلال “عصبية” خصومهم، فيكسبون الجولة ويخرجون من المنازلة، وقد ظفروا باحترام المشاهد، وإن لم يحظوا بدعمه لمواقفهم.
تلك كانت خلاصة الحلقة التي استضافت الدكتور أشرف البيومي، عضو اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار، ومارتن أنديك، رئيس منتدى أميركا والعالم الإسلامي، وأحد صنّاع السياسة الخارجية الأميركية، ومسؤول في إعداد البرامج الحوارية التي تباشرها الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي منذ عهد بيل كلينتون.
سأل فيصل القاسم في البداية مع الدكتور البيومي: كيف تنظرون إلى الحوار الذي تدعو إليه أميركا العالم الإسلامي؟ وكان الردّ فاصلاً من اللحظة الأولى، بيّن من خلاله البيومي أنه لم يأت بدافع محاولة فهم أفكار أنديك، بقدر ما كان يصبو الى اتهامه: “حوار مع من؟ الشعب العربي ليس مغفّلاً!”. ومضت الحلقة في الاتجاه نفسه طيلة ساعة كاملة، استرسل خلالها البيومي في سرد كمّ هائل من سياسة الأميركية المعادية للمسلمين والعرب. حاول أنديك تفادي الغوص في مواقف إدارة بوش، وقال: “لقد جئنا للحوار. حضرنا إلى الدوحة للتحاور مع المسلمين، وقد أحضرنا معنا ممثلين عن الطائفة المسيحية الإنجيلية وعن مسلمي أميركا، لنتناقش حول العلاقة بين الدين والحكم”. بعد دقائق، بدأ النقاش “يسخن” وصعّد البيومي لهجته، متهماً واشنطن بأنها تنتقي مفكرين “من أزلامها، بينما تقصي مفكرين يعارضونها، مثل نعوم تشومسكي”. وردّ أنديك بالقول: “في المؤتمر الذي عقدناه في قطر استمعت إلى آراء قاسية من الشيخ القرضاوي ضد أميركا. لكنّنا حاولنا الاستماع إليه لمحاولة فهمه. لقد وجّهنا الدعوة للإخوان المسلمين في مصر ورفضت حكومتهم الترخيص لهم بالسفرً”.
وهنا، تدخّل فيصل القاسم ليعيد الحوار إلى مرحلة “اللهيب”، سائلاً البيومي عن موقف الرافضين للحوار؟ فردّ المفكر المصري: “أحيّي الرافضين للحوار، لأنه ضارّ ويصرف النظر عن الجرائم المرتكبة في فلسطين والعراق ولبنان. في المقابل، حاول أنديك تبرئة نفسه بالقول: “لست موافقاً مع ما تفعله حكومة بلادي في العراق وأبو غريب، وهنا في الكونغرس من يدعو اليوم الى تغيير سياساتها”. لكن ردود أنديك لم تكن لتقنع البيوم، وتابع في توجيه وابل من الاتهامات. بينما أنديك “صامت” يتأمل في هدوء، مبتسماً، قبل أن يصفق “ساخراً” : “برافو، برافو”. لكن البيومي لم يأبه، وهنا نفد صبر مارتن الذي خاطب القاسم (الوحيد الذي كان منتشياً للجو السائد)، قائلا: “جئت للحوار، لا لتقديم استعراض. وهذا الشخص كان مُعَدّاً ليستفزني ويستفز جمهورك. أنا أدين ما يحصل في سجن أبو غريب وغوانتنامو ولا أدعمه. لكن تصرّفه مثير لا يعكس الرغبة في الحوار، ولا ينم عن احترام، إنها محاولة لحصر الآخر في زاوية”. وانتهت الحلقة دونما أن يتصافح “الخصمان”، في رسالة واضحة فحواها “إن الهوّة لا تزال عميقة جداً”!